فصل: بَابُ الرَّهْنِ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: مطالب أولي النهى في شرح غاية المنتهى



.(فَصْلٌ): [في شَرْطِ رَهْنٍ فِي الْقَرْضِ]:

(وَيَجُوزُ شَرْطُ رَهْنٍ فِيهِ) لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «اسْتَقْرَضَ مِنْ يَهُودِيٍّ شَعِيرًا، وَوَدَعَهُ دِرْعَهُ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَلِأَنَّ مَا جَازَ فِعْلُهُ جَازَ شَرْطُهُ.
(وَ) يَجُوزُ [شَرْطُ] (ضَمِينٍ)؛ لِمَا تَقَدَّمَ، (وَ) يَجُوزُ (بَذْلُ جُعْلٍ عَلَى اقْتِرَاضِهِ لَهُ بِجَاهِهِ)؛ لِأَنَّهُ فِي مُقَابَلَةِ مَا يَبْذُلُهُ مِنْ جَاهِهِ فَقَطْ، وَ(لَا) يَجُوزُ بَذْلُ جُعْلٍ (عَلَى ضَمَانِهِ لَهُ)، نَصَّ عَلَيْهِمَا؛ لِأَنَّهُ ضَامِنٌ، فَيَلْزَمُهُ الدَّيْنُ، وَإِنْ أَدَّاهُ وَجَبَ لَهُ عَلَى الْمَضْمُونِ عَنْهُ، فَصَارَ كَالْقَرْضِ، فَإِذَا أَخَذَ عِوَضًا؛ صَارَ الْقَرْضُ جَارًّا لِلْمَنْفَعَةِ؛ فَلَمْ يَجُزْ. (وَلَا) يَجُوزُ الْإِلْزَامُ بِشَرْطِ (تَأْجِيلِ) قَرْضٍ، (أَوْ) شَرْطِ (نَقْصٍ فِي وَفَاءٍ)؛ لِأَنَّهُ يُنَافِي مُقْتَضَى الْعَقْدِ (أَوْ) شَرْطِ (جَرِّ نَفْعٍ)؛ فَيَحْرُمُ؛ كَشَرْطِ (أَنْ يُسْكِنَهُ) الْمُقْتَرِضُ (دَارِهِ، أَوْ يَقْضِيَهُ خَيْرًا مِنْهُ أَوْ أَكْثَرَ) مِمَّا أَقْرَضَهُ (أَوْ) أَنْ يَقْضِيَهُ (بِبَلَدٍ آخَرَ)، وَلِحَمْلِهِ مُؤْنَةٌ؛ لِأَنَّهُ عَقْدُ إرْفَاقٍ وَقُرْبَةٍ، فَشَرْطُ النَّفْعِ فِيهِ يُخْرِجُهُ عَنْ مَوْضُوعِهِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِحَمْلِهِ مُؤْنَةٌ، فَقَالَ فِي الْمُغْنِي: الصَّحِيحُ جَوَازُهُ؛ لِأَنَّهُ مَصْلَحَةٌ لَهُمَا مِنْ غَيْرِ ضَرَرٍ. (أَوْ) شَرَطَ الْمُقْرِضُ عَلَى الْمُقْتَرِضِ (أَنْ يَبِيعَهُ شَيْئًا رَخِيصًا)؛ لِأَنَّهُ يَجُرُّ بِهِ نَفْعًا (أَوْ) [شَرَطَ (أَنْ يَعْمَلَ لَهُ عَمَلًا، أَوْ) أَنْ (يَنْتَفِعَ بِالرَّهْنِ، أَوْ) أَنْ (يُسَاقِيَهُ) عَلَى شَجَرَةٍ أَوْ يُزَارِعَهُ] عَلَى أَرْضٍ، (أَوْ) لِشَرْطِ مُقْتَرَضٍ أَنْ (يُسْكِنَهُ مُقْرِضٌ عَقَارًا يَفُوقُ أَجْرَ مِثْلِهِ)، أَوْ أَنْ يَبِيعَهُ شَيْئًا بِأَكْثَرَ مِنْ قِيمَتِهِ، أَوْ أَنْ يَسْتَعْمِلَهُ فِي صَنْعَةٍ، وَيُعْطِيَهُ أُنْقَصَ مِنْ أُجْرَةِ مِثْلِهِ (وَنَحْوُهُ مِمَّا يَجُرُّ نَفْعًا)؛ فَلَا يَجُوزُ، وَإِنْ فَعَلَ مَا يَحْرُمُ اشْتِرَاطُهُ؛ (فَالشَّرْطُ بَاطِلٌ، وَالْقَرْضُ صَحِيحٌ، وَإِنْ فَعَلَهُ)؛ أَيْ: فَعَلَ شَيْئًا مِمَّا تَقَدَّمَ (بِلَا شَرْطٍ بَعْدَ وَفَاءٍ). وَلَا مُوَاطَأَةٍ؛ جَازَ، (أَوْ أَهْدَى) مُقْتَرِضٌ (لَهُ) هَدِيَّةً (بَعْدَهُ)؛ أَيْ: الْوَفَاءِ؛ جَازَ، (وَقَضَى) مُقْتَرِضٌ (خَيْرًا مِنْهُ بِلَا مُوَاطَأَةٍ)؛ جَازَ؛ كَصِحَاحٍ عَنْ مُقَدَّرَةٍ أَوْ أَجْوَدَ نَقْدًا أَوْ سِكَّةٍ مِمَّا اقْتَرَضَ، وَكَذَا رَدُّ نَوْعٍ خَيْرًا مِمَّا أَخَذَ، أَوْ أَرْجَحَ يَسِيرًا فِي قَضَاءِ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ. وَفِي الْمُغْنِي وَالْكَافِي تَجُوزُ الزِّيَادَةُ فِي الْقَدْرِ وَالصِّفَةِ؛ لِلْخَبَرِ (أَوْ عُلِمَتْ زِيَادَتُهُ)؛ أَيْ: الْمُقْتَرِضِ عَلَى مِثْلِ الْقَرْضِ وَقِيمَتِهِ؛ (لِشُهْرَةِ سَخَائِهِ؛ جَازَ) ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْتَلَفَ بَكْرًا، فَرَدَّ خَيْرًا مِنْهُ، وَقَالَ: «خَيْرُكُمْ أَحْسَنُكُمْ قَضَاءً». مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي رَافِعٍ. وَلِأَنَّ الزِّيَادَةَ لَمْ تُجْعَلْ عِوَضًا فِي الْقَرْضِ، وَلَا وَسِيلَةً إلَيْهِ، وَلَا إلَى اسْتِيفَاءِ دَيْنِهِ؛ أَشْبَهَ مَا لَوْ لَمْ يُوجَدْ قَرْضٌ. (وَيَتَّجِهُ) أَنَّهُ يُؤْخَذُ (مِنْهُ)؛ أَيْ: مِنْ تَعْلِيلِ الْأَصْحَابِ بِفِعْلِهِ وَقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (جَوَازُ رَدِّ مِثْلٍ مُتَقَوِّمٍ مَعَ تَرَاضٍ).
قَالَ فِي الِاخْتِيَارَاتِ: وَيَتَوَجَّهُ فِي الْمُتَقَوِّمِ أَنْ يَجُوزَ رَدُّ الْمِثْلِ بِتَرَاضِيهِمَا. انْتَهَى.
وَهُوَ ظَاهِرٌ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ لَا يَعْدُوهُمَا. وَهُوَ اتِّجَاهٌ حَسَنٌ.
(وَ) إنْ قَالَ مُقْتَرِضٌ: (أَقْرَضَنِي أَلْفًا) لِأَشْتَرِيَ بِهَا بَقَرًا وَبِذَارًا، (وَادْفَعْ لِي أَرْضَكَ أَزْرَعُهَا بِالثُّلُثِ) أَوْ نَحْوَهُ؛ (حَرُمَ) نَصًّا؛ لِأَنَّهُ يَجُرُّ بِهِ نَفْعًا (خِلَافًا لِجَمْعٍ) مِنْهُمْ النَّاظِمُ وَصَاحِبُ الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى وَالْمُوَفَّقِ. (وَلَوْ أَقْرَضَ) إنْسَانٌ (مَنْ لَهُ عَلَيْهِ بُرٌّ يَشْتَرِيهِ)؛ أَيْ: الْبُرَّ بِمَا اقْتَرَضَهُ، (ثُمَّ يُوَفِّيهِ إيَّاهُ؛ جَازَ) الْعَقْدُ بِلَا كَرَاهَةٍ؛ (كَإِرْسَالِهِ نَفَقَةً لِعِيَالِهِ، فَأَقْرَضَهَا)؛ أَيْ: النَّفَقَةَ (رَجُلًا لِيُوَفِّيَهَا لَهُمْ)؛ فَلَا بَأْسَ بِذَلِكَ، إذَا لَمْ يَأْخُذْ عَلَيْهَا شَيْئًا زَائِدًا عَنْهَا، (وَكَقَرْضِهِ غَرِيمَهُ الْمُعْسِرَ أَلْفًا لِيُوَفِّيَهُ مِنْهُ)؛ أَيْ: الْأَلْفِ (وَمِنْ دَيْنِهِ الْأَوَّلِ كُلَّ وَقْتٍ شَيْئًا)؛ فَإِنَّهُ يَجُوزُ ذَلِكَ أَيْضًا بِلَا كَرَاهَةٍ. (وَإِنْ فَعَلَ) مُقْتَرِضٌ (مَا)؛ أَيْ: شَيْئًا (فِيهِ نَفْعٌ)؛ بِأَنْ أَهْدَى لَهُ هَدِيَّةً، أَوْ عَمِلَ لَهُ عَمَلًا (قَبْلَ الْوَفَاءِ وَلَمْ يَنْوِ) مُقْرِضٌ (احْتِسَابَهُ مِنْ دَيْنِهِ، أَوْ) لَمْ يَنْوِ (مُكَافَأَتَهُ) عَلَيْهِ؛ (لَمْ يَجُزْ إلَّا إنْ جَرَتْ عَادَةٌ بَيْنَهُمَا)؛ أَيْ: بَيْنَ الْمُقْرِضِ وَالْمُقْتَرِضِ (بِهِ)؛ أَيْ: بِذَلِكَ الْفِعْلِ (قَبْلَ قَرْضٍ)؛ لِحَدِيثِ أَنَسٍ مَرْفُوعًا: «إذَا أَقْرَضَ أَحَدُكُمْ، فَأَهْدَى إلَيْهِ أَوْ حَمَلَهُ عَلَى الدَّابَّةِ؛ فَلَا يَرْكَبْهَا، وَلَا يَقْبَلْهُ، إلَّا أَنْ يَكُونَ جَرَى بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ قَبْلَ ذَلِكَ» رَوَاه ابْنُ مَاجَهْ، وَكَذَا الْبَيْهَقِيُّ فِي السُّنَنِ وَالشُّعَبِ، وَسَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ فِي سُنَنِهِ، وَهُوَ حَدِيثٌ حَسَنٌ، وَيُؤَيِّدُهُ مَا فِي الْبُخَارِيِّ عَنْ أَبِي بُرْدَةَ قَالَ: قَدِمْتُ الْمَدِينَةَ، فَلَقِيتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ سَلَامٍ، فَقَالَ لِي إنَّكَ بِأَرْضٍ فِيهَا الرِّبَا فَاشٍ، فَإِذَا كَانَ لَكَ عَلَى رَجُلٍ حَقٌّ فَأَهْدَى إلَيْكَ حِمْلَ تِبْنٍ أَوْ حِمْلَ قَتٍّ؛ فَلَا تَأْخُذْهُ؛ فَإِنَّهُ رِبًا وَفِي مُسْنَدِ الْحَارِثِ بْنِ أَبِي أُمَامَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «كُلُّ قَرْضٍ جَرَّ مَنْفَعَةً فَهُوَ بَابٌ مِنْ أَبْوَابِ الرِّبَا» (وَكَذَا كُلُّ غَرِيمٍ)؛ أَيْ: مَدِينٍ؛ حُكْمُهُ كَالْمُقْتَرِضِ فِيمَا تَقَدَّمَ (غَيْرُ اسْتِعْمَالِ رَهْنٍ وَيَأْتِي) أَنَّهُ يَجُوزُ اسْتِعْمَالُ الرَّهْنِ لِمَصْلَحَتِهِ؛ كَخَوْفٍ عَلَيْهِ مِنْ عُثٍّ. (فَإِنْ اسْتَضَافَهُ) مُقْتَرِضٌ (حَسَبَ لَهُ) مُقْرِضٌ (مَا أَكَلَ) عِنْدَهُ قَبْلَ الْوَفَاءِ نَصًّا، أَوْ كَافَأَهُ عَلَيْهِ إنْ لَمْ تَجْرِ الْعَادَةُ بَيْنَهُمَا بِهِ قَبْلَ الْقَرْضِ. (وَيَتَّجِهُ وَلَا) يَحْسُبُ لَهُ مَا أَكَلَ عِنْدَهُ مِنْ (ضِيَافَةٍ وَاجِبَةٍ)؛ كَكَوْنِ الْمُقْتَرِضِ عَمِلَ وَلِيمَةَ عُرْسٍ، وَدَعَا الْمُقْرِضَ إلَيْهَا، وَكَانَ فِي قَرْيَةٍ وَمَرَّ عَلَيْهِ، فَقَدَّمَ لَهُ طَعَامًا؛ فَإِنَّهُ يَطِيبُ لَهُ أَكْلُهُ بِلَا احْتِسَابٍ وَلَا نِيَّةِ مُكَفَّأَةٍ؛ كَمَا يَأْتِي فِي الْأَطْعِمَةِ. وَهُوَ مُتَّجِهٌ يُؤَيِّدُهُ قَوْلُهُ (وَهُوَ)؛ أَيْ: الْقَرْضُ (فِي الدَّعَوَاتِ) إذَا فَعَلَ الْمُقْتَرِضُ وَلِيمَةً أَوْ عَقِيقَةً وَنَحْوَهَا؛ (كَغَيْرِهِ) مِمَّنْ لَا دَيْنَ عَلَيْهِ. (وَمَنْ طُولِبَ) مِنْ مُقْتَرِضٍ وَغَيْرِهِ؛ أَيْ: طَالَبَهُ رَبُّ دَيْنِهِ (بِبَذْلِ قَرْضٍ)، أَوْ ثَمَنٍ فِي ذِمَّةٍ، (أَوْ) طُولِبَ بِبَدَلِ (غَصْبٍ بِبَلَدٍ آخَرَ) غَيْرِ بَلَدِ قَرْضٍ وَغَصْبٍ؛ (لَزِمَهُ)؛ أَيْ: الْمَدِينَ أَوْ الْغَاصِبَ رَدُّ الْبَدَلِ؛ لِتَمَكُّنِهِ مِنْ قَضَاءِ الْحَقِّ بِلَا ضَرَرٍ، (إلَّا مَا لِحَمْلِهِ مُؤْنَةٌ)؛ كَحَدِيدٍ وَقُطْنٍ وَبُرٍّ (وَقِيمَتُهُ بِبَلَدِ الْقَرْضِ) أَوْ الْغَصْبِ (أَنْقَصُ) مِنْ قِيمَتِهِ بِبَلَدِ الطَّلَبِ؛ (فَلَا يَلْزَمُهُ إلَّا قِيمَتُهُ بِهَا)؛ أَيْ: [بَلَدِ] الْقَرْضِ أَوْ الْغَصْبِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمْهُ حَمْلٌ إلَى بَلَدِ الطَّلَبِ، فَيَصِيرُ كَالْمُتَعَذَّرِ، وَإِذَا تَعَذَّرَ الْمِثْلُ تَعَيَّنَتْ الْقِيمَةُ، وَاعْتُبِرَتْ بِبَلَدِ الْقَرْضِ أَوْ الْغَصْبِ؛ لِأَنَّهُ الَّذِي يَجِبُ فِيهِ التَّسْلِيمُ، وَ(لَا) يَلْزَمُ مُقْتَرِضًا أَوْ غَاصِبًا بَذْلُ (الْمِثْلِ، وَلَا) بَذْلُ (الْقِيمَةِ بِمَحَلِّ طَلَبٍ)، وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّهُ إنْ طُولِبَ بِعَيْنِ الْغَصْبِ بِغَيْرِ بَلَدِهِ؛ لَمْ يَلْزَمْهُ، وَكَذَا لَوْ طُولِبَ بِأَمَانَةٍ أَوْ عَارِيَّةً وَنَحْوِهَا بِغَيْرِ بَلَدِهَا؛ لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ حَمْلُهَا إلَيْهِ، (وَمَعَ تَسَاوٍ)؛ أَيْ: بِأَنْ كَانَتْ قِيمَتُهُ بِبَلَدِ الْقَرْضِ أَوْ الْغَصْبِ مُسَاوِيَةً لِبَلَدِ الطَّلَبِ، (أَوْ أَكْثَرَ؛ لَزِمَ) مُقْتَرِضًا وَغَاصِبًا دَفْعُ (الْمِثْلِ) بِبَلَدِ الطَّلَبِ؛ لِمَا سَبَقَ. (وَلَوْ بَذَلَهُ)؛ أَيْ: الْمِثْلَ (مُقْتَرِضٌ أَوْ غَاصِبٌ بِغَيْرِ بَلَدِهِ)؛ أَيْ: بَلَدِ قَرْضٍ أَوْ غَصْبٍ، (وَلَا مُؤْنَةَ لِحَمْلِهِ) إلَيْهِ؛ كَأَثْمَانٍ؛ (لَزِمَ) مُقْرِضًا وَمَغْصُوبًا مِنْهُ (قَبُولُهُ مَعَ أَمْنِ بَلَدٍ وَطَرِيقٍ)؛ لِعَدَمِ الضَّرَرِ عَلَيْهِ إذَنْ. وَكَذَا ثَمَنٌ وَأُجْرَةٌ وَنَحْوُهُمَا، فَإِنْ كَانَ لِحَمْلِهِ مُؤْنَةٌ، أَوْ الْبَلَدُ أَوْ الطَّرِيقُ غَيْرَ آمِنٍ؛ لَمْ يَلْزَمْهُ قَبُولُهُ- وَلَوْ تَضَرَّرَ الْمُقْتَرِضُ أَوْ الْغَاصِبُ- لِأَنَّ الضَّرَرَ لَا يُزَالُ بِالضَّرَرِ. (وَمَعَ بَقَاءِ مَغْصُوبٍ) إذَا بَذَلَ الْغَاصِبُ بَدَلَهُ لِرَبِّهِ؛ (لَمْ يُجْبَرْ رَبُّهُ عَلَى قَبُولِهِ)؛ أَيْ: الْبَدَلِ (بِحَالٍ) لَا مَعَ مُؤْنَةٍ لِلْحَمْلِ، وَلَا عَدَمِهَا، وَلَا مَعَ أَمْنِ الْبَلَدِ أَوْ الطَّرِيقِ، وَلَا مَعَ الْخَوْفِ؛ لِأَنَّ دَفْعَ الْبَدَلِ مُعَاوَضَةٌ، وَلَا يُجْبَرُ عَلَيْهَا الْمُمْتَنِعُ. وَلَوْ أَقْرَضَ ذِمِّيٌّ ذِمِّيًّا خَمْرًا، ثُمَّ أَسْلَمَا أَوْ أَحَدُهُمَا؛ بَطَلَ الْقَرْضُ، وَلَمْ يَجِبْ عَلَى الْمُقْتَرِضِ شَيْءٌ، وَلَوْ قَالَ مُقْرِضٌ لِمُقْتَرَضٍ: إنْ مِتَّ- بِضَمِّ التَّاءِ- فَأَنْتَ فِي حِلٍّ؛ فَوَصِيَّتُهُ صَحِيحَةٌ؛ كَسَائِرِ الْوَصَايَا، وَإِنْ قَالَ لَهُ: إنْ مِتَّ- بِفَتْحِهَا- فَأَنْتَ فِي حِلٍّ؛ لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ إبْرَاءٌ مُعَلَّقٌ بِشَرْطٍ، وَشَرْطُ الْإِبْرَاءِ أَنْ يَكُونَ مُنَجَّزًا؛ كَالْهِبَةِ.

.بَابُ الرَّهْنِ:

وَهُوَ فِي اللُّغَةِ الثُّبُوتُ وَالدَّوَامُ، يُقَالُ: مَاءٌ رَاهِنٌ؛ أَيْ: رَاكِدٌ، وَنِعْمَةٌ رَاهِنَةٌ؛ أَيْ: دَائِمَةٌ، وَقِيلَ هُوَ الْحَبْسُ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ} أَيْ: مَحْبُوسَةٌ، وَهُوَ قَرِيبٌ مِنْ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ الْمَحْبُوسَ ثَابِتٌ فِي مَكَان لَا يُزَايِلُهُ. وَشَرْعًا (تَوْثِقَةُ دَيْنٍ) غَيْرُ سَلَمٍ وَدَيْنِ كِتَابَةٍ؛ لِعَدَمِ لُزُومِهِ، (أَوْ) تَوْثِقَةُ (عَيْنٍ) مَضْمُونَةٍ؛ كَعَارِيَّةٍ وَمَقْبُوضٍ عَلَى وَجْهِ سَوْمٍ (بِعَيْنٍ)؛ أَيْ: جَعْلُ عَيْنٍ مَالِيَّةٍ وَثِيقَةً بِدَيْنٍ أَوْ عَيْنٍ مَضْمُونَةٍ (يُمْكِن أَخْذُهُ)؛ أَيْ: الدَّيْنِ كُلِّهِ، (أَوْ) (بَعْضِهِ)، إنْ لَمْ تَفِ بِهِ (مِنْهَا)؛ أَيْ: الْعَيْنِ إنْ كَانَتْ مِنْ جِنْسِ الدَّيْنِ، (أَوْ) يُمْكِنُ أَخْذُهُ أَوْ بَعْضِهِ مِنْ (ثَمَنِهَا)، إنْ لَمْ تَكُنْ مِنْ جِنْسِ الدَّيْنِ، وَخَرَجَ بِذَلِكَ أُمُّ الْوَلَدِ وَنَحْوُهَا مِمَّا لَا يَصِحُّ بَيْعُهُ. وَأَجْمَعُوا عَلَى جَوَازِهِ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ}. وَحَدِيثِ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اشْتَرَى مِنْ يَهُودِيٍّ طَعَامًا وَرَهَنَهُ دِرْعَهُ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَيَجُوزُ حَضَرًا وَسَفَرًا لِأَنَّهُ رُوِيَ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ بِالْمَدِينَةِ، وَذِكْرُ الْآيَةِ فِي السَّفَرِ خَرَجَ مَخْرَجَ الْغَالِبِ، وَلِهَذَا لَمْ يُشْتَرَطْ عَدَمُ الْكَاتِبِ. (وَالْمَرْهُونُ عَيْنٌ مَعْلُومَةٌ) قَدْرًا وَجِنْسًا وَصِفَةً (جُعِلَتْ وَثِيقَةً بِحَقٍّ يُمْكِنُ اسْتِيفَاؤُهُ)؛ أَيْ: الْحَقِّ (أَوْ) اسْتِيفَاءُ (بَعْضِهِ مِنْهَا أَوْ مِنْ ثَمَنِهَا)؛ كَمَا تَقَدَّمَ، بِخِلَافِ نَحْوِ وَقْفٍ وَحُرٍّ وَأُمِّ وَلَدٍ وَدَيْنِ سَلَمٍ وَكِتَابَةٍ. (وَيَنْعَقِدُ) الرَّهْنُ (بِلَفْظٍ).
قَالَ فِي الْإِنْصَافِ وَالْإِقْنَاعِ وَغَيْرِهِمَا: وَلَا يَصِحُّ الرَّهْنُ بِدُونِ إيجَابٍ وَقَبُولٍ وَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِمَا مِنْ الرَّاهِنِ وَالْمُرْتَهِنِ؛ كَسَائِرِ الْعُقُودِ.
(وَ) يَنْعَقِدُ (بِمُعَاطَاةٍ)؛ كَالْبَيْعِ، قَالَهُ فِي الرِّعَايَة. (وَتَصِحُّ زِيَادَةُ رَهْنٍ)؛ بِأَنْ رَهَنَهُ شَيْئًا عَلَى دَيْنٍ ثُمَّ رَهَنَهُ شَيْئًا آخَرَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ تَوْثِقَةٌ، (وَلَا) تَصِحُّ زِيَادَةُ (دَيْنِهِ)؛ بِأَنْ اسْتَدَانَ مِنْهُ دِينَارًا وَرَهَنَهُ كِتَابًا، أَوْ أَقْبَضَهُ لَهُ مِنْهُ، ثُمَّ اقْتَرَضَ مِنْهُ دِينَارًا آخَرَ، وَجَعَلَ الْكِتَابَ رَهْنًا عَلَيْهِ وَعَلَى الْأَوَّلِ، لِأَنَّهُ رَهْنُ مَرْهُونٍ، وَالْمَشْغُولُ لَا يُشْغَلُ. (وَيَتَّجِهُ) لَا تَصِحُّ زِيَادَةُ دَيْنِ الرَّهْنِ (إلَّا بِعَقْدٍ مُتَجَدِّدٍ)؛ كَأَنْ يَفْسَخَ الْمُرْتَهِنُ الرَّهْنَ، ثُمَّ يُجَدِّدَ مَعَ الرَّاهِنِ عَقْدًا عَلَى الدَّيْنَيْنِ بِذَلِكَ الرَّهْنِ. وَهُوَ مُتَّجِهٌ (وَ) يَصِحُّ (رَهْنُ) كُلِّ (مَا يَصِحُّ بَيْعُهُ) مِنْ الْأَعْيَانِ لَا الْمَنَافِعِ، لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهُ الِاشْتِيَاقُ لِلْوُصُولِ لِلدَّيْنِ، وَلَا يَتَأَتَّى ذَلِكَ فِي الْمَنَافِعِ، (وَلَوْ) كَانَ الرَّهْنُ (نَقْدًا أَوْ مُؤَجَّرًا مُعَارًا)؛ فَيَصِحُّ رَهْنُهُ (بِإِذْنِ) رَبِّهِ لَهُ فِي رَهْنِهِ- وَلَوْ لِرَبِّ دَيْنٍ- لِأَنَّهُ يَصِحُّ بَيْعُهُ (وَيَسْقُطُ ضَمَانُ الْعَارِيَّةِ)؛ لِانْتِقَالِهَا لِلْأَمَانَةِ إنْ لَمْ يَسْتَعْمِلْهَا الْمُرْتَهِنُ، (أَوْ) كَانَ الرَّهْنُ (مَعِيبًا؛ كَقِنٍّ مُرْتَدٍّ) وَقَاتِلٍ فِي مُحَارَبَةٍ- وَلَوْ تَحَتَّمَ قَتْلُهُ- (وَ) قِنٍّ (جَانٍ) عَمْدًا أَوْ خَطَأً عَلَى نَفْسٍ أَوْ دُونِهَا؛ لِأَنَّهُ يَصِحُّ بَيْعُهُ فِي مَحَلِّ الْحَقِّ، (وَلَا خِيَارَ لِمُرْتَهِنٍ عَالِمٍ) بِالْحَالِ مِنْ الرِّدَّةِ وَالْقَتْلِ فِي الْمُحَارَبَةِ أَوْ الْجِنَايَةِ؛ لِدُخُولِهِ عَلَى بَصِيرَةٍ، (وَإِلَّا) يَكُنْ الْمُرْتَهِنُ عَالِمًا بِالْحَالِ، ثُمَّ عَلِمَ بِهِ بَعْدَ إسْلَامِ الْمُرْتَدِّ وَفِدَاءِ الْجَانِي؛ وَكَذَلِكَ لَا خِيَارَ لَهُ؛ لِأَنَّ الْعَيْبَ زَالَ بِلَا ضَرَرٍ يَلْحَقُهُ، وَإِنْ عَلِمَ قَبْلَ ذَلِكَ؛ (فَلَهُ رَدُّهُ)؛ أَيْ: الرَّهْنِ (وَفَسْخُ بَيْعٍ شُرِطَ فِيهِ)؛ أَيْ: عَقْدُ الْبَيْعِ؛ لِأَنَّ الْإِطْلَاقَ يَقْتَضِي السَّلَامَةَ، فَلَمْ يُوفِ لَهُ بِشَرْطِهِ، (أَوْ)؛ أَيْ: لِلْمُرْتَهِنِ (الْإِمْسَاكُ) فِي هَذِهِ الْحَالَةِ (بِلَا أَرْشٍ) لَهُ لِذَلِكَ الْعَيْبِ؛ لِأَنَّ الرَّهْنَ لَوْ تَلِفَ بِجُمْلَتِهِ قَبْلَ قَبْضِهِ؛ لَمْ يُمْلَكْ بَدَلُهُ، فَبَعْضُهُ أُولَى، وَكَذَلِكَ لَا أَرْشَ لِلْمُرْتَهِنِ لَوْ لَمْ يَعْلَمْ الْحَالَ حَتَّى قُتِلَ الْعَبْدُ بِالرِّدَّةِ أَوْ الْمُحَارَبَةِ أَوْ الْقِصَاصِ أَوْ بِيعَ فِي الْجِنَايَةِ أَوْ سُلِّمَ لِوَلِيِّهَا، وَمَتَى امْتَنَعَ السَّيِّدُ مِنْ فِدَاءِ الْجَانِي؛ لَمْ يُجْبَرْ، وَيُبَاعُ فِي الْجِنَايَةِ؛ لِتَقَدُّمِ حَقِّ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ عَلَى الرَّهْنِ؛ أَشْبَهَ مَا لَوْ جَنَى بَعْدَ الرَّهْنِ. (وَإِنْ تَعَيَّبَ) الرَّهْنُ (قَبْلَ قَبْضٍ)، أَوْ اسْتَحَالَ الْعَصِيرُ الْمَرْهُونُ خَمْرًا قَبْلَ قَبْضٍ؛ (فَكَذَلِكَ)؛ أَيْ: يُخَيِّرُ بَيْنَ إمْسَاكِهِ مَعِيبًا، أَوْ رَدِّهِ وَفَسْخِ الْبَيْعِ إنْ كَانَ مَشْرُوطًا [فِيهِ]، (فَلَوْ رَهَنَهُ دَارًا فَانْهَدَمَتْ) الدَّارُ (قَبْلَ قَبْضِهَا؛ فَالرَّهْنُ بِحَالِهِ) لَمْ يَبْطُلْ بِتَهَدُّمِهَا؛ لِبَقَاءِ الْمَالِيَّةِ، (وَلِمُرْتَهِنٍ الْخِيَارُ) بَيْنِ إمْسَاكهَا مُتَهَدِّمَةً، أَوْ رَدِّهَا وَفَسْخِ الْبَيْعِ إنْ كَانَتْ مَشْرُوطَةً فِيهِ، وَكَذَا قَرْضٌ (أَوْ) كَانَ الرَّهْنُ (مَبِيعًا)- وَلَوْ قَبْلَ قَبْضِهِ- لِأَنَّهُ يَصِحُّ بَيْعُهُ إذَنْ، فَصَحَّ رَهْنُهُ؛ كَمَا بَعْدَ الْقَبْضِ (غَيْرَ مَكِيلٍ وَنَحْوِهِ)؛ كَمَوْزُونٍ وَمَعْدُودٍ وَمَذْرُوعٍ، وَمَا بِيعَ بِصِفَةٍ أَوْ رُؤْيَةٍ مُتَقَدِّمَةٍ (قَبْلَ قَبْضِهِ)؛ لِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ بَيْعُهُ إذَنْ، فَلَا يَصِحُّ رَهْنُهُ، (وَلَوْ) كَانَ رَهْنُ الْمَبِيعِ (عَلَى ثَمَنِهِ)؛ لِأَنَّ ثَمَنَهُ فِي الذِّمَّةِ دَيْنٌ، وَالْمَبِيعُ مِلْكٌ لِلْمُشْتَرِي؛ فَجَازَ رَهْنُهُ؛ كَغَيْرِهِ مِنْ الدُّيُونِ، (أَوْ) كَانَ الرَّهْنُ (مُشَاعًا) وَلَوْ نَصِيبَهُ مِنْ مُعَيَّنٍ فِي مُشَاعٍ يُقَسَّمُ إجْبَارًا؛ بِأَنْ رَهَنَ نَصِيبَهُ مِنْ بَيْتٍ مِنْ دَارٍ يَمْلِكُ نِصْفَهَا؛ لِأَنَّهُ يَصِحُّ بَيْعُهُ؛ فَصَحَّ رَهْنُهُ [وَاحْتِمَالُ حُصُولِهِ فِي حِصَّةِ شَرِيكِهِ بِالْقِسْمَةِ مَمْنُوعٍ؛ لِأَنَّ الرَّاهِنَ لَا يَتَصَرَّفُ بِمَا يَضُرُّ الْمُرْتَهِنَ]. وَإِذَا رَهَنَهُ الْمَتَاعَ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَنْقُولًا؛ [لَمْ يَحْتَجْ فِي التَّخْلِيَةِ لِإِذْنِ شَرِيكِهِ، وَإِنْ كَانَ يُنْقَلُ وَرَضِيَ الشَّرِيكُ وَالْمُرْتَهِنُ بِكَوْنِهِ] بِيَدِ أَحَدِهِمَا أَوْ غَيْرِهِمَا؛ جَازَ (وَإِنْ لَمْ يَرْضَ شَرِيكٌ وَمُرْتَهِنٌ بِكَوْنِهِ)؛ أَيْ: الْمُشْتَرَكِ (بِيَدِ أَحَدِهِمَا أَوْ)، بِيَدِ (غَيْرِهِمَا؛ جَعَلَهُ حَاكِمٌ بِيَدِ أَمِينٍ أَمَانَةً، أَوْ) جَعَلَهُ بِيَدِ أَمِينٍ (بِأُجْرَةٍ) يَأْخُذُهَا الْأَمِينُ (مِنْهُمَا)؛ أَيْ: الشَّرِيكَيْنِ عَلَى حِفْظِهِ، (أَوْ أَجَرَهُ) الْحَاكِمُ عَلَيْهِمَا، فَيَجْتَهِدُ فِي الْأَصْلَحِ لَهُمَا؛ لِأَنَّ أَحَدَهُمَا لَيْسَ أَوْلَى بِهِ مِنْ الْآخَرِ، وَلَا يُمْكِنُ جَمْعُهُمَا فِيهِ، فَتَعَيَّنَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ وَسِيلَةٌ لِحِفْظِهِ عَلَيْهِمَا. (وَإِنْ رَهَنَ نِصْفَ بَيْتٍ مُعَيَّنٍ مُشَاعٍ مِنْ دَارٍ مُشَاعَةٍ) بَيْنَهُ وَبَيْنَ شَرِيكِهِ، وَاقْتَسَمَا؛ أَيْ: الرَّاهِنُ وَشَرِيكُهُ الدَّارَ الْمُشْتَرَكَةَ، (فَوَقَعَ) الْمُعَيَّنُ (الْمَرْهُونُ) بَعْضُهُ- وَهُوَ الْبَيْتُ فِي الْمِثَالِ الْمَذْكُورِ- (لِغَيْرِ رَاهِنٍ؛ لَمْ تَصِحَّ الْقِسْمَةُ)؛ لِأَنَّ الرَّاهِنَ مَمْنُوعٌ مِنْ التَّصَرُّفِ فِي الرَّهْنِ بِمَا يَضُرُّ الْمُرْتَهِنَ فَيُمْنَعُ مِنْ الْقِسْمَةِ الْمُضِرَّةِ؛ كَمَا يُمْنَعُ مِنْ الْبَيْعِ، (قَطَعَ بِهِ)؛ أَيْ: بِعَدَمِ صِحَّةِ الْقِسْمَةِ (الْمُوَفَّقُ وَالشَّارِحُ)، وَمَعْنَاهُ فِي شَرْحِ الْمُنْتَهَى. (أَوْ) كَانَ الرَّهْنُ (مُدَبَّرًا)؛ فَيَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ يَجُوزُ بَيْعُهُ، وَالْحُكْمُ فِيمَا إذًا عَلِمَ الْمُرْتَهِنُ وُجُودَ التَّدْبِيرِ، وَلَمْ يَعْلَمْ بِهِ؛ كَالْحُكْمِ فِي الْعَبْدِ الْجَانِي عَلَى مَا ذُكِرَ مِنْ التَّفْصِيلِ، (أَوْ) كَانَ (مُعَلَّقًا عِتْقُهُ بِصِفَةٍ يَحِلُّ الدَّيْنُ قَبْلَهَا)؛ كَمَا لَوْ عَلَّقَ عِتْقَهُ عَلَى دُخُولِ شَهْرِ رَمَضَانَ، وَكَانَ الدَّيْنُ يَحِلُّ فِي شَعْبَانَ؛ فَيَصِحُّ رَهْنُهُ؛ لِإِمْكَانِ بَيْعِهِ قَبْلَ وُجُودِ الصِّفَةِ، (أَوْ) كَانَ وُجُودُ الصِّفَةِ الْمُعَلَّقُ عَلَيْهِ الْعِتْقُ (يُحْتَمَلُ) قَبْلَ حُلُولِ الدَّيْنِ وَبَعْدَهُ؛ كَمَا لَوْ عَلَّقَ عِتْقَهُ عَلَى (قُدُومِ زَيْدٍ)؛ فَيَصِحُّ رَهْنُهُ أَيْضًا؛ كَالْمُدَبَّرِ وَالْمَرِيضِ، (وَيُبَاعُ مُدَبَّرٌ) كُلُّهُ إنْ مَاتَ السَّيِّدُ، وَلَيْسَ لَهُ مَالٌ يَفْضُلُ عَنْ وَفَاءِ الدَّيْنِ، (وَاسْتَغْرَقَهُ)؛ أَيْ: الْمُدَبَّرَ (الدَّيْنُ) وَبَطَلَ التَّدْبِيرُ؛ كَالْوَصِيَّةِ، (وَإِلَّا) يَسْتَغْرِقْهُ الدَّيْنُ (بِيعَ مِنْهُ)؛ أَيْ: الْمُدَبَّرُ (بِقَدْرِهِ)؛ أَيْ: الدَّيْنِ (وَعَتَقَ ثُلُثُ الْبَاقِي) مِنْهُ بِالتَّدْبِيرِ (وَبَاقِيهِ لِلْوَرَثَةِ)، وَإِنْ مَاتَ السَّيِّدُ قَبْلَ الْوَفَاءِ، فَعَتَقَ الْمُدَبَّرُ لِخُرُوجِهِ كُلِّهِ مِنْ الثُّلُثِ بَعْدَ الدَّيْنِ؛ بَطَلَ رَهْنُهُ؛ كَمَا لَوْ مَاتَ، وَإِنْ عَتَقَ بَعْضُهُ لِعَدَمِ خُرُوجِهِ مِنْ الثُّلُثِ؛ بَقِيَ الرَّهْنُ فِيمَا بَقِيَ مِنْهُ قِنًّا، كَمَا لَوْ تَلِفَ الْبَعْضُ وَبَقِيَ الْبَعْضُ. (أَوْ) كَانَ الرَّهْنُ (مُكَاتَبًا)؛ فَيَصِحُّ رَهْنُهُ. لِجَوَازِ بَيْعِهِ وَإِيفَاءِ الدَّيْنِ مِنْ ثَمَنِهِ.
وَ(لَا) يَصِحُّ رَهْنُهُ (لِمَنْ يُعْتَقُ عَلَيْهِ)؛ بِأَنْ رَهَنَ الْمُكَاتَبَ عِنْدَ رَحِمِهِ الْمَحْرَمِ؛ (لِأَنَّهُ)؛ أَيْ: مُرْتَهِنَ رَحِمِهِ الْمَحْرَمِ (لَا يَمْلِكُ بَيْعَهُ) عِنْدَ جَوَازِهِ، وَيَأْتِي فِي الْكِتَابَةِ. (وَيُمَكِّنُ)؛ أَيْ: يُمَكِّنُهُ الْمُرْتَهِنُ (مِنْ كَسْبٍ)؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مَصْلَحَةٌ، وَلَا يَصِحُّ شَرْطُ مَنْعِهِ مِنْ التَّصَرُّفِ، وَمَا أَدَّاهُ مِنْ دَيْنِ الْكِتَابَةِ رَهْنٌ مَعَهُ؛ لِأَنَّهُ كَنَمَائِهِ، (فَإِنْ عَجَزَ) عَنْ أَدَاءِ مَالِ الْكِتَابَةِ وَعَادَ قِنًّا؛ (فَهُوَ وَكَسْبُهُ رَهْنٌ؛) لِأَنَّهُ نَمَاؤُهُ، (وَإِنْ عَتَقَ) بِأَدَاءٍ أَوْ إعْتَاقٍ (فَمَا أَدَّى بَعْدَ عَقْدِ الرَّهْنِ رَهْنٌ)؛ كَقِنٍّ مَرْهُونٍ اكْتَسَبَ وَمَاتَ. (أَوْ) كَانَ الرَّهْنُ (يَسْرُعُ فَسَادُهُ)؛ كَفَاكِهَةٍ رَطْبَةٍ وَطَبِيخٍ- وَلَوْ رَهَنَهُ (بِدَيْنٍ مُؤَجَّلٍ)- لِأَنَّهُ يَصِحُّ بَيْعُهُ، (وَيُبَاعُ)؛ أَيْ: يَبِيعُهُ حَاكِمٌ (إنْ لَمْ يَكُنْ تَجْفِيفُهُ)؛ لِحِفْظِهِ بِالْبَيْعِ. (وَلَوْ شُرِطَ) فِي رَهْنِ مَا يَسْرُعُ فَسَادُهُ (عَدَمُ بَيْعِهِ)؛ لَمْ يَصِحَّ الشَّرْطُ لِمُنَافَاتِهِ الْعَقْدَ؛ كَمَا لَوْ شُرِطَ فِي الْعَقْدِ عَدَمُ النَّفَقَةِ عَلَى الْحَيَوَانِ الْمَرْهُونِ، فَيُبَاعُ، (وَيُجْعَلُ ثَمَنُهُ رَهْنًا) مَكَانَهُ حَتَّى يَحِلَّ الدَّيْنُ، فَيُوَفَّى مِنْهُ، كَمَا لَوْ كَانَ حَالًّا، (وَكَذَا الْحُكْمُ إنْ رَهَنَهُ ثِيَابًا فَخَافَ) الْمُرْتَهِنُ (تَلَفَهَا، أَوْ) رَهَنَهُ (حَيَوَانًا، فَخَافَ مَوْتَهُ)؛ فَيُبَاعُ عَلَى مَا تَقَدَّمَ، (أَوْ) كَانَ الرَّهْنُ (قِنًّا مُسْلِمًا) وَلَوْ بِدَيْنٍ (لِكَافِرٍ إذَا شُرِطَ) فِي الرَّهْنِ (كَوْنُهُ بِيَدِ مُسْلِمٍ عَدْلٍ)، وَإِلَّا لَمْ يَصِحَّ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا} (وَيَتَّجِهُ) لَا سِيَّمَا (إنْ كَانَ) الْقِنُّ الْمَرْهُونُ (أُنْثَى أَوْ كَانَ أَمْرَدَ)، فَيَتَأَكَّدُ اشْتِرَاطُ كَوْنِهِ بِيَدِ مُسْلِمٍ عَدْلٍ خَشْيَةَ الْفِتْنَةِ. وَهُوَ مُتَّجِهٌ (وَكَقِنٍّ) فِي الْحُكْمِ رَهْنُ (كُتُبِ حَدِيثٍ وَتَفْسِيرٍ) لِكَافِرِ؛ فَيَصِحُّ بِشَرْطِ جَعْلِهَا بِيَدِ مُسْلِمٍ عَدْلٍ؛ لِأَمْنِ الْمَفْسَدَةِ، فَإِنْ لَمْ يُشْتَرَطْ ذَلِكَ؛ لَمْ يَصِحَّ (لَا مُصْحَفًا)، فَلَا يَصِحُّ رَهْنُهُ- وَلَوْ لِمُسْلِمٍ- لِأَنَّهُ وَسِيلَةٌ إلَى بَيْعِهِ الْمُحَرَّمِ، (أَوْ دَيْنًا)؛ فَلَا يَصِحُّ رَهْنُهُ (- وَلَوْ لِمَنْ هُوَ عَلَيْهِ-) صَرَّحَ بِهِ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْإِقْنَاعِ فِي آخِرِ السَّلَمِ بِصِحَّتِهِ، وَهُوَ إحْدَى رِوَايَتَيْنِ ذَكَرَهُمَا فِي الِانْتِصَارِ لَكِنَّ صَرِيحَ كَلَامِهِمْ يُخَالِفُ مَا فِي الْإِقْنَاعِ وَكَانَ عَلَى الْمُصَنِّفِ الْإِشَارَةُ إلَى ذَلِكَ. (وَيَتَّجِهُ أَوْ جِلْدَ عَقِيقَةٍ)؛ فَلَا يَصِحُّ رَهْنُهُ، كَذَا قَالَ: وَالْمَنْصُوصُ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ أَنَّهُ يُبَاعُ الْجِلْدُ وَالرَّأْسُ وَالسَّوَاقِطُ، وَيُتَصَدَّقُ بِثَمَنِهِ.
قَالَ فِي الْإِنْصَافِ: وَهُوَ الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْمُنَوِّرِ وَغَيْرِهِمْ انْتَهَى.
وَفِي الشَّرْحِ بَعْدَ ذِكْرِهِ صِحَّةَ بَيْعِ الْجِلْدِ وَالرَّأْسِ وَالسَّوَاقِطِ قَالَ: لِأَنَّ الذَّبِيحَةَ لَمْ تَخْرُجْ عَنْ مِلْكِهِ، فَكَانَ لَهُ أَنْ يَفْعَلَ فِيهَا مَا شَاءَ مِنْ بَيْعٍ وَغَيْرِهِ. انْتَهَى.
وَحَيْثُ تَقَرَّرَ صِحَّةُ بَيْعِ الْجِلْدِ؛ فَلَا رَيْبَ فِي صِحَّةِ رَهْنِهِ، غَيْرَ أَنَّهُ عَلَى الْقَوْلِ بِوُجُوبِ الصَّدَقَةِ بِثَمَنِهِ. لَوْ بِيعَ فِي الدَّيْنِ، يَضْمَنُهَا الرَّاهِنُ بَدَلَ ثَمَنِهِ لِلْفُقَرَاءِ (وَمَا لَا يَصِحُّ بَيْعُهُ)؛ كَحُرٍّ وَأُمِّ وَلَدٍ وَوَقْفٍ وَعَيْنٍ مَرْهُونَةٍ وَكَلْبٍ- وَلَوْ مُعَلَّمًا- وَآبِقٍ وَمَجْهُولٍ؛ (لَا يَصِحُّ رَهْنُهُ)؛ لِأَنَّ الْقَصْدَ مِنْهُ اسْتِيفَاءُ الدَّيْنِ مِنْ ثَمَنِهِ عِنْدَ التَّعَذُّرِ، وَمَا لَا يَصِحُّ بَيْعُهُ لَا يُمْكِنُ فِيهِ ذَلِكَ؛ (كَكِيسٍ بِمَا فِيهِ)؛ فَلَا يَصِحُّ؛ لِلْجَهَالَةِ، وَكَذَا أَحَدُ هَذَيْنِ الْعَبْدَيْنِ، وَهَذَا الْبَيْتُ بِمَا فِيهِ (وَنَحْوِ أَرْضِ مِصْرَ)؛ كَالشَّامِ وَالْعِرَاقِ مِمَّا فُتِحَ عَنْوَةً، وَلَمْ يُقَسَّمْ؛ فَلَا يَصِحُّ؛ لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَقَفَهَا، وَأَقَرَّهَا بِأَيْدِي أَرْبَابِهَا بِالْخَرَاجِ (وَكَذَا حُكْمُ بِنَائِهَا)؛ أَيْ: الْأَرْضِ إذَا كَانَتْ آلَتُهُ (مِنْهَا) ذَكَرَهُ فِي الْمُغْنِي وَالْكَافِي وَالْمُبْدِعِ هُنَا، وَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّهُ لَا يَصِحُّ بَيْعُهُ، لَكِنْ تَقَدَّمَ فِي الْبَيْعِ أَنَّ بَيْعَ الْمَسَاكِنِ مِنْ أَرْضِ الْعَنْوَةِ صَحِيحٌ، سَوَاءٌ كَانَتْ آلَتُهَا مِنْهَا أَوْ مِنْ غَيْرِهَا، وَلِذَا قَالَ الْمُصَنِّفُ (وَيَتَّجِهُ صِحَّتُهُ)؛ أَيْ: صِحَّةُ رَهْنِ مَا بُنِيَ مِنْ مَسَاكِنِ أَرْضِ الْعَنْوَةِ، سَوَاءٌ كَانَ الْبِنَاءُ مَوْجُودًا قَبْلَ الْفَتْحِ أَوْ أُحْدِثَ بَعْدَهُ؛ لِأَنَّ الصَّحَابَةَ اقْتَطَعُوا الْخُطَطَ فِي الْكُوفَةِ وَالْبَصْرَةِ فِي زَمَنِ عُمَرَ، وَبَنَوْهَا مَسَاكِنَ، وَتَبَايَعُوهَا مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ؛ فَكَانَ كَالْإِجْمَاعِ. وَهُوَ مُتَّجِهٌ (سِوَى رَهْنِ ثَمَرَةٍ قَبْلَ بُدُوِّ صَلَاحِهَا) بِلَا شَرْطِ قَطْعٍ، (وَ) سِوَى رَهْنِ (زَرْعٍ أَخْضَرَ بِلَا شَرْطِ قَطْعٍ)؛ فَيَصِحُّ؛ لِأَنَّ النَّهْيَ عَنْ بَيْعِهِمَا؛ لِعَدَمِ أَمْنِ الْعَاهَةِ وَبِتَقْدِيرِ تَلَفِهِمَا لَا يَفُوتُ حَقُّ الْمُرْتَهِنِ مِنْ الدَّيْنِ؛ لِتَعَلُّقِهِ بِذِمَّةِ الْمُرْتَهِنِ، (وَ) سِوَى (قِنٍّ) ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى فَيَصِحُّ رَهْنُهُ (دُونَ وَلَدِهِ وَنَحْوِهِ)؛ كَوَالِدِهِ وَأَخِيهِ؛ لِأَنَّ تَحْرِيمَ بَيْعِهِ وَحْدَهُ؛ لِلتَّفْرِيقِ بَيْنَ ذَوِي الرَّحِمِ الْمَحْرَمِ، وَذَلِكَ مَفْقُودٌ هُنَا؛ فَإِنَّهُ إذَا اُسْتُحِقَّ بَيْعُ الرَّهْنِ (يُبَاعَانِ) مَعًا لِتِلْكَ الْمَفْسَدَةِ (وَيَخْتَصُّ الْمُرْتَهِنَ بِمَا يَخُصُّ الْمَرْهُونَ مِنْ ثَمَنِهِمَا)، فَيُوَفَّى مِنْهُ دَيْنُهُ، وَإِنْ فَضَلَ شَيْءٌ مِنْ ثَمَنِهِ؛ فَلِرَاهِنٍ، وَإِنْ فَضَلَ شَيْءٌ مِنْ الدَّيْنِ فَبِذِمَّةِ مَدِينٍ، فَإِنْ كَانَ قِيمَةُ الرَّهْنِ مَعَ كَوْنِهِ ذَا وَلَدٍ مِائَةً وَقِيمَةُ الْوَلَدِ خَمْسُونَ؛ فَحِصَّةُ الرَّاهِنِ ثُلُثًا الثَّمَنِ، (لَكِنْ لَوْ رَهَنَ ثَمَرَةً عَلَى دَيْنٍ مُؤَجَّلٍ) إلَى أَجَلٍ (تَحْدُثُ فِيهِ)؛ أَيْ: الْأَجَلِ ثَمَرَةٌ (أُخْرَى) بِحَيْثُ (لَا تَتَمَيَّزُ) عَنْ الثَّمَرَةِ الْمَرْهُونَةِ؛ فَالرَّهْنُ (بَاطِلٌ)؛ لِجَهَالَتِهِ عِنْدَ حُلُولِ الْحَقِّ (وَإِنْ) جُعِلَتْ الثَّمَرَةُ رَهْنًا عَلَى دَيْنٍ مُؤَجَّلٍ؛ وَ(شُرِطَ)- بِالْبِنَاءِ لِلْمَجْهُولِ- فِي الْعَقْدِ (قَطْعٌ) عِنْدَ حُدُوثِ غَيْرِهَا؛ (فَلَا) يَكُونُ الرَّهْنُ بَاطِلًا؛ لِانْتِفَاءِ الْجَهَالَةِ، وَعَدَمِ الْغَرَرِ. (وَلَوْ) تُرِكَ قَطْعُهَا حَتَّى (حَدَثَتْ) ثَمَرَةٌ (أُخْرَى)، وَاخْتَلَطَتْ بِغَيْرِهَا؛ فَلَا يَبْطُلُ الرَّهْنُ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ وَقَعَ صَحِيحًا، فَإِنْ سَمَحَ الرَّاهِنُ بِبَيْعِ الثَّمَرَةِ الْمَرْهُونَةِ، وَمَا اخْتَلَطَتْ بِهِ عَلَى أَنَّهُ رَهْنٌ؛ جَازَ؛ لِأَنَّهُ كَزِيَادَةِ الرَّهْنِ، أَوْ اتَّفَقَا عَلَى قَدْرٍ مِنْهُ؛ جَازَ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ لَا يَعْدُوهُمَا، (وَ) إنْ اخْتَلَفَا وَتَشَاحَّا؛ (فَيُقْبَلُ قَوْلُ رَاهِنٍ) بِيَمِينِهِ (فِي قَدْرِ حَادِثٍ)؛ لِأَنَّهُ مُنْكِرٌ.

.(فَصْلٌ): [شروطُ صِحَّةِ الرَّهْنِ]:

لَمَّا كَانَتْ صِحَّةُ الرَّهْنِ تَفْتَقِرُ إلَى شُرُوطٍ سِتَّةٍ اُحْتِيجَ إلَى التَّنْبِيهِ عَلَيْهَا. فَأَشَارَ لِلْأَوَّلِ مِنْهَا بِقَوْلِهِ:
(وَشَرْطُ تَنْجِيزِ رَهْنٍ):، فَلَا يَصِحُّ مُعَلَّقًا)؛ كَالْبَيْعِ.
وَالثَّانِي: (كَوْنُهُ)؛ أَيْ: الرَّهْنِ (مَعَ حَقٍّ)؛ كَأَنْ يَقُولَ: بِعْتُكَ هَذَا بِعَشَرَةٍ إلَى شَهْرٍ تَرْهَنُنِي بِهَا عَبْدَك هَذَا، فَيَقُولُ: اشْتَرَيْتُ وَرَهَنْت؛ فَيَصِحُّ لِدُعَاءِ الْحَاجَةِ إلَيْهِ، وَلَوْ لَمْ يَعْقِدْهُ مَعَ الْحَقِّ؛ لَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ إلْزَامِ الْمُشْتَرِي بِهِ بَعْدُ، (أَوْ بَعْدَهُ)؛ أَيْ: الْحَقِّ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَمْ تَجِدُوا كَاتِبًا فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ}، فَجَعَلَهُ بَدَلًا عَنْ الْكِتَابَةِ، فَيَكُونُ فِي مَحِلِّهَا وَهُوَ بَعْدَ وُجُوبِ الْحَقِّ. وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ قَبْلَ الدَّيْنِ؛ لِأَنَّ الرَّهْنَ تَابِعٌ لَهُ؛ كَالشَّهَادَةِ، فَلَا يَتَقَدَّمُهُ.
(وَ) الثَّالِثُ كَوْنُ رَاهِنٍ (مِمَّنْ يَصِحُّ بَيْعُهُ وَتَبَرُّعُهُ)؛ لِأَنَّهُ نَوْعُ تَصَرُّفٍ فِي الْمَالِ، فَلَمْ يَصِحَّ إلَّا مِنْ جَائِزِ التَّصَرُّفِ؛ كَالْبَيْعِ، (وَلَوْ) كَانَ الرَّاهِنُ (غَيْرَ مَدِينٍ) لِلْمُرْتَهِنِ (فَيَصِحُّ رَهْنُ مَالِهِ عَلَى دَيْنِ غَيْرِهِ)- وَلَوْ (بِلَا إذْنِهِ)؛ أَيْ: الْمَدِينِ أَوْ رِضَاهُ- [كَمَا يَجُوزُ أَنْ يُضَمِّنَهُ بِغَيْرِ رِضَاهُ وَأَوْلَى] وَهُوَ نَظِيرُ إعَارَةِ الْمَدِينُ شَيْئًا يَرْهَنُهُ. صَرَّحَ بِجَوَازِهِ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ.
(وَ) الرَّابِعُ (كَوْنُهُ)؛ أَيْ: الرَّهْنِ (مِلْكَهُ)؛ أَيْ: الرَّاهِنِ، (وَلَوْ ظَنَّ عَدَمَهُ)؛ أَيْ: الْمِلْكِ، فَظَهَرَ أَنَّهُ مِلْكُهُ؛ صَحَّ؛ كَمَنْ رَهَنَ قِنَّ أَبِيهِ، ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنَّ أَبَاهُ مَاتَ قَبْلَ الرَّهْنِ، وَانْتَقَلَ الْقِنُّ إلَيْهِ، (أَوْ كَوْنُهُ مَأْذُونًا لَهُ فِيهِ)؛ أَيْ: الرَّهْنِ؛ بِأَنْ اسْتَأْجَرَ أَوْ اسْتَعَارَ دَارًا مَثَلًا، وَأَذِنَ الْمُؤَجِّرُ أَوْ الْمُعِيرُ لَهُ بِرَهْنِهَا، فَرَهَنَهَا؛ صَحَّ؛ وَلَا يُشْتَرَطُ لِصِحَّةِ الْإِذْنِ تَعْيِينُ الدَّيْنِ، وَلَا وَصْفُهُ، وَلَا مَعْرِفَةُ رَبِّ الدَّيْنِ، (وَيَنْبَغِي) لِلْمَدِينِ (أَنْ يُذَكِّرَ الْآذِنَ) مِنْ نَحْوِ مُؤَجِّرٍ وَمُعِيرٍ (الْمُرْتَهَنَ)، فَيَقُولُ: أُرِيدُ أَنْ أَرْهَنَهُ عِنْدَ زَيْدٍ مَثَلًا، (وَ) يَذْكُرُ لَهُ (قَدْرَ دَيْنٍ) يَرْهَنُهُ بِهِ، (وَ) يَذْكُرُ لَهُ (جِنْسَهُ)؛ أَيْ: الدَّيْنِ؛ كَذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ، (وَ) يَذْكُرُ لَهُ (مُدَّةَ رَهْنٍ)؛ كَشَهْرٍ أَوْ سَنَةٍ، (فَإِنْ شُرِطَ) فِي الْإِذْنِ (شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ)؛ أَيْ: شَرَطَ الْآذِنُ عَلَى الْمَدِينِ أَنْ لَا يَرْهَنَهُ إلَّا عِنْدَ زَيْدٍ مَثَلًا عَلَى مِائَةِ دِرْهَمٍ إلَى مُدَّةِ كَذَا، فَخَالَفَ الْمَدِينُ، (وَرَهَنَهُ بِغَيْرِهِ)؛ أَيْ: غَيْرِ شَرْطِهِ؛ (لَمْ يَصِحَّ) الرَّهْنُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَأْذَنْ لَهُ فِيهِ (لَكِنْ لَوْ رَهَنَهُ)؛ أَيْ: رَهَنَ الْمَدِينُ الْمُؤَجَّرَ أَوْ الْمُعَارِ الْمَأْذُونَ فِيهِ (بِأَنْقَصَ مِمَّا قُدِّرَ لَهُ مِنْ الدَّيْنِ؛ صَحَّ)؛ لِأَنَّهُ فَعَلَ بَعْضَ مَا أَذِنَ لَهُ فِيهِ، (وَ) لَوْ رَهَنَهُ (بِأَكْثَرَ؛ صَحَّ) الرَّهْنُ (فِيمَا قُدِّرَ) لَهُ (فَقَطْ)، وَبَطَلَ فِي الزِّيَادَةِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ أَذِنَهُ فِي دَنَانِيرَ، فَرَهَنَهُ بِدَرَاهِمَ وَعَكْسُهُ، فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ؛ لِلْمُخَالَفَةِ. (وَيَمْلِكُ آذِنٌ) مُؤَجِّرًا كَانَ أَوْ مُعِيرًا (الرُّجُوعَ) فِي الْإِذْنِ فِي الرَّهْنِ (قَبْلَ إقْبَاضِهِ) الْمُرْتَهَنَ، (لَا بَعْدَهُ)؛ لِلُزُومِهِ. (وَيُطَالِبُ) مُعِيرٌ (رَاهِنًا بِفَكِّهِ) فِي مَحِلِّ الْحَقِّ وَقَبْلَ مَحِلِّهِ؛ لِأَنَّ الْعَارِيَّةَ لَا تَلْزَمُ، وَلَا يَمْلِكُ مُؤَجِّرٌ الرُّجُوعَ (فِي إجَارَةِ عَيْنِ الرَّهْنِ قَبْلَ) مُضِيِّ (مُدَّتِهَا)؛ أَيْ: الْإِجَارَةُ؛ لِلُزُومِهَا (وَإِنْ بِيعَ) رَهْنٌ مُؤَجَّرٌ أَوْ مُعَارٍ (مَأْذُونٌ) لِلرَّاهِنِ (فِيهِ) لِوَفَاءِ دَيْنٍ؛ (رَجَعَ) مُؤَجِّرٌ أَوْ مُعِيرٌ (عَلَى رَاهِنٍ بِمِثْلٍ مِثْلِيٍّ)؛ لِأَنَّهُ فَوَّتَهُ عَلَى رَبِّهِ؛ أَشْبَهَ مَا لَوْ أَتْلَفَهُ، (وَ) رَجَعَ (بِالْأَكْثَرِ مِنْ مُتَقَوِّمٍ، أَوْ مَا)؛ أَيْ: ثَمَنٍ (بِيعَ بِهِ) اخْتَارَهُ فِي التَّرْغِيبِ وَالتَّلْخِيصِ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُحَرَّر وَالْمُنَوِّرِ قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: (فَإِنْ بِيعَ بِأَكْثَرَ مِنْهَا؛ رَجَعَ بِالزِّيَادَةِ فِي الْأَصَحِّ)، وَجَزَمَ بِهِ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ وَصَوَّبَهُ فِي حَوَاشِي الْفُرُوعِ وَالْإِنْصَافِ وَقَدَّمَهُ فِي التَّنْقِيحِ، لِأَنَّهُ إنْ بِيعَ بِأَقَلَّ مِنْ قِيمَتِهِ ضَمِنَ الرَّاهِنُ نَقْصَهُ، وَبِالْأَكْثَرِ فَثَمَنُهُ كُلُّهُ لِمَالِكِهِ؛ إذْ لَوْ أَسْقَطَ مُرْتَهِنٌ حَقَّهُ مِنْ رَهْنٍ؛ رَجَعَ ثَمَنُهُ كُلُّهُ لِرَبِّهِ، فَإِذَا قَضَى رَبُّهُ دَيْنَ الرَّاهِنِ؛ رَجَعَ بِهِ عَلَيْهِ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ ضَمَانِ نَقْصِهِ أَلَّا تَكُونَ زِيَادَتُهُ لِرَبِّهِ؛ كَمَا لَوْ كَانَ بَاقِيًا بِعَيْنِهِ. (وَإِنْ تَلَفَ) رَهْنٌ مُعَارٍ أَوْ مُؤَجَّرٌ بِتَفْرِيطِهِ؛ ضَمِنَهُ رَاهِنٌ بِبَدَلِهِ، وَبِلَا تَفْرِيطٍ؛ (ضَمِنَ رَاهِنٌ لَا مُرْتَهِنٌ الْمُعَارَ، لَا الْمُؤَجَّرَ)؛ لِأَنَّ الْعَارِيَّةَ مَضْمُونَةٌ وَالْمُؤَجَّرَ أَمَانَةٌ لَا تُضْمَنُ إلَّا بِالتَّعَدِّي أَوْ التَّفْرِيطِ. (وَإِنْ قَالَ مَأْذُونٌ) فِي الرَّهْنِ لِمَالِكِهِ: (أَذِنْتُ لِي فِي رَهْنِهِ بِعَشَرَةٍ، فَقَالَ) الْمَالِكُ: (بَلْ) أَذِنْتُ لَك فِي رَهْنِهِ (بِخَمْسَةٍ؛ فَقَوْلُ آذِنٍ) بِيَمِينِهِ؛ لِأَنَّهُ مُنْكِرٌ لِلْإِذْنِ فِي الزِّيَادَةِ، وَيَكُونُ رَهْنًا بِالْخَمْسَةِ فَقَطْ.
(وَ) الْخَامِسُ (كَوْنُهُ)؛ أَيْ: الرَّهْنِ (مَعْلُومًا جِنْسُهُ وَقَدْرُهُ وَصِفَتُهُ)؛ لِأَنَّهُ عَقْدٌ عَلَى مَالٍ، فَاشْتُرِطَ الْعِلْمُ بِهِ؛ كَالْبَيْعِ.
(وَ) السَّادِسُ كَوْنُهُ (بِدَيْنٍ وَاجِبٍ)؛ كَقَرْضٍ وَثَمَنٍ وَقِيمَةِ مُتْلَفٍ (غَيْرِ سَلَمٍ)، وَتَقَدَّمَ (أَوْ) بِشَيْءٍ (مَآلُهُ إلَيْهِ)؛ أَيْ: الدَّيْنِ الْوَاجِبِ؛ (كَثَمَنٍ) فِي (مُدَّةِ خِيَارِ) مَجْلِسٍ أَوْ شَرْطٍ (وَأُجْرَةٍ قَبْلَ اسْتِيفَاءِ مَنْفَعَةِ) مَأْجُورٍ (وَمَهْرٍ قَبْلَ دُخُولٍ)؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يَئُولُ إلَى الْوُجُوبِ (وَبِعَيْنٍ مَضْمُونَةٍ؛ كَغَصْبٍ وَعَارِيَّةٍ وَمَقْبُوضٍ) عَلَى وَجْهِ سَوْمٍ (بِعَقْدٍ فَاسِدٍ)؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الرَّهْنِ الْوَثِيقَةُ بِالْحَقِّ، وَهَذَا حَاصِلٌ؛ فَإِنَّ الرَّهْنَ بِهَذِهِ الْأَعْيَانِ يَحْمِلُ الرَّاهِنَ عَلَى أَدَائِهَا، وَإِنْ تَعَذَّرَ أَدَاؤُهَا اُسْتُوْفِيَ بِهِ لَهَا مِنْ ثَمَنِ الرَّهْنِ، فَأَشْبَهَتْ مَا فِي الذِّمَّةِ. وَيَصِحُّ أَخْذُ الرَّهْنِ عَلَى (نَفْعِ إجَارَةٍ بِذِمَّةٍ؛ كَخِيَاطَةِ ثَوْبٍ وَبِنَاءِ دَارٍ)، وَحَمْلِ مَعْلُومٍ إلَى مَوْضِعٍ مُعَيَّنٍ؛ لِأَنَّهُ ثَابِتٌ فِي الذِّمَّةِ، وَيَكُنْ وَفَاؤُهُ مِنْ الرَّهْنِ؛ بِأَنْ يَسْتَأْجِرَ مِنْ ثَمَنِهِ مَنْ يَعْمَلُهُ. وَقَوْلُهُ: وَلَا يَصِحُّ أَخْذُ رَهْنٍ (بِنَفْعِ عَيْنٍ مُعَيَّنَةٍ) مُكَرَّرٌ مَعَ مَا يَأْتِي قَرِيبًا، وَهُوَ قَوْلُهُ: وَإِجَارَةُ مَنَافِعَ مُعَيَّنَةٍ، وَلِذَا كَانَ سَاقِطًا فِي أَصْلَيْهِ فَلْيُنْتَبَهْ لَهُ. (وَلَا) يَصِحُّ أَخْذُ الرَّهْنِ (بِدِيَةٍ عَلَى عَاقِلَةٍ، وَلَا بِجُعْلٍ قَبْلَ) مُضِيِّ (حَوْلٍ) فِي مَسْأَلَةِ الدِّيَةِ (وَ) قَبْلَ تَمَامِ (عَمَلٍ) فِي مَسْأَلَةِ الْجَعْلِ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ وَاجِبٍ، وَلَا يُعْلَمُ أَنَّهُ يَئُولُ إلَيْهِ. (وَيَصِحُّ) أَخْذُ رَهْنٍ بِدِيَةٍ عَلَى عَاقِلَةٍ، وَبِجُعْلٍ (بَعْدَهُمَا)؛ أَيْ: الْحَوْلِ وَالْعَمَلِ؛ لِاسْتِقْرَارِهِمَا. (وَلَا) يَصِحُّ أَخْذُ رَهْنٍ (بِدَيْنِ كِتَابَةٍ)؛ لِفَوَاتِ الْإِرْفَاقِ بِالْأَجَلِ الْمَشْرُوعِ؛ إذْ يُمْكِنُهُ بَيْعُ الرَّهْنِ وَإِيفَاءُ الْكِتَابَةِ، (وَلَا بِعُهْدَةِ مَبِيعٍ) لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ حَدٌّ يَنْتَهِي إلَيْهِ، فَيَعُمُّ ضَرَرُهُ بِمَنْعِ التَّصَرُّفِ فِيهِ، وَإِذَا وَثَّقَ الْبَائِعُ عَلَى عُهْدَةِ الْمَبِيعِ، فَكَأَنَّهُ مَا قَبَضَ الثَّمَنَ، وَلَا ارْتَفَقَ بِهِ، (وَلَا بِعِوَضٍ غَيْرِ ثَابِتٍ فِي ذِمَّةٍ؛ كَثَمَنٍ وَأُجْرَةٍ مُعَيَّنَيْنِ وَإِجَارَةِ مَنَافِعَ) عَيْنٍ (مُعَيَّنَةٍ؛ كَدَارٍ وَنَحْوِهَا) كَفَرَسٍ وَعَبْدٍ زَمَنًا مُعَيَّنًا، (أَوْ دَابَّةٍ لِحَمْلٍ مُعَيَّنٍ) إلَى مَكَان مَعْلُومٍ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ مُتَعَلِّقٌ بِأَعْيَانِ هَذِهِ، وَتَنْفَسِخُ الْإِجَارَةُ عَلَيْهَا بِتَلَفِهَا، فَلَمْ يَتَعَلَّقْ بِالذِّمَّةِ حَقٌّ. (وَحَرُمَ) عَلَى وَلِيٍّ، (وَلَا يَصِحُّ مِنْهُ رَهْنُ مَالِ يَتِيمٍ لِفَاسِقٍ)؛ لِأَنَّهُ تَعْرِيضٌ بِهِ لِلْهَلَاكِ؛ لِأَنَّهُ يَجْحَدُهُ الْفَاسِقُ، أَوْ يُفَرِّطُ فِيهِ فَيَضِيعُ. (وَيَتَّجِهُ) مَحِلُّ عَدَمِ صِحَّةِ رَهْنِ مَالِ يَتِيمٍ لِفَاسِقٍ (إنْ جَعَلَ) مَالَ الْيَتِيمِ (تَحْتَ يَدِهِ)؛ أَيْ: الْفَاسِقِ، أَمَّا لَوْ اتَّفَقَا عَلَى جَعْلِهِ تَحْتَ يَدِ عَدْلٍ، فَلَا مَانِعَ مِنْ صِحَّتِهِ؛ لِانْتِفَاءِ الْمَحْظُورِ. وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَكَيَتِيمٍ مُكَاتَبٍ وَ) قِنٍّ (مَأْذُونًا لَهُ) فِي تِجَارَةٍ؛ لِاشْتِرَاطِ الْمَصْلَحَةِ فِي ذَلِكَ التَّصَرُّفِ. (وَيَتَّجِهُ وَ) كَيَتِيمٍ (نَحْوُ سَفِيهٍ وَمَجْنُونٍ)، فَيَحْرُمُ عَلَى مَنْ كَانَتْ أَمْوَالُهُمَا تَحْتَ يَدِهِ أَنْ يَجْعَلَهَا تَحْتَ يَدِ فَاسِق عَلَى طَرِيقِ رَهْنٍ أَوْ غَيْرِهِ، بَلْ عَلَيْهِ صِيَانَتُهَا وَحِفْظُهَا عَنْ الضَّيَاعِ، وَطَلَبُ تَنْمِيَتِهَا لَهُمَا بِحَسَبِ الْإِمْكَانِ؛ لِضَعْفِهِمَا عَنْ ذَلِكَ. وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَإِنْ رَهَنَ ذِمِّيٌّ عِنْدَ مُسْلِمٍ خَمْرًا)- وَلَوْ بِشَرْطِ جَعْلِهِ (بِيَدِ ذِمِّيٍّ- لَمْ يَصِحَّ) الرَّهْنُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ بَيْعُهَا، (فَإِنْ بَاعَهَا)؛ أَيْ: الْخَمْرَ (الذِّمِّيُّ) الَّتِي هِيَ عِنْدَهُ، أَوْ بَاعَهَا رَبُّهَا، (لَا) إنْ بَاعَهَا (الْمُسْلِمُ؛ حَلَّ) لِرَبِّ دَيْنٍ أَخْذُ دَيْنِهِ مِنْ ثَمَنِهَا؛ لِأَنَّهُ يُقِرُّ عَلَيْهِ لَوْ أَسْلَمَ، وَحَيْثُ بَاعَهَا الذِّمِّيُّ أَوْ رَبُّهَا (فَيَقْضِيهِ)؛ أَيْ: الدَّيْنَ مِنْ ثَمَنِهَا، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ رَهَنَ؛ لِقَوْلِ عُمَرَ فِي أَهْلِ الذِّمَّةِ مَعَهُمْ الْخُمُورُ: وَلُّوهُمْ بَيْعَهَا، وَخُذُوا مِنْ أَثْمَانِهَا، (أَوْ يُبْرِئُ) رَبَّ الدَّيْنِ مِنْهُ. وَعُلِمَ مِمَّا سَبَقَ، أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ كَوْنُ رَهْنٍ مِنْ مَدِينٍ وَلَا بِإِذْنِهِ، لِأَنَّهُ إذَا جَازَ أَنْ يَقْضِيَ عَنْهُ، دَيْنَهُ بِلَا إذْنِهِ فَأَوْلَى أَنْ يَرْهَنَ عَنْهُ.
قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: يَجُوزُ أَنْ يَرْهَنَ الْإِنْسَانُ مَالَ نَفْسِهِ عَلَى دَيْنِ غَيْرِهِ؛ كَمَا يَجُوزُ أَنْ يُضَمِّنَهُ وَأَوْلَى.

.(فَصْلٌ): [لَا يَلْزَمُ رَهْنٌ إلَّا فِي حَقِّ رَاهِنٍ]:

(وَلَا يَلْزَمُ) رَهْنٌ (إلَّا فِي حَقِّ رَاهِنٍ)؛ لِأَنَّ الْحَظَّ فِيهِ لِغَيْرِهِ، فَلَزِمَ مِنْ جِهَتِهِ؛ كَالضَّمَانِ، بِخِلَافِ مُرْتَهَنٍ؛ لِأَنَّ الْحَظَّ لَهُ فِيهِ وَحْدَهُ، فَكَانَ لَهُ فَسْخُهُ؛ كَالْمَضْمُونِ لَهُ (بِقَبْضٍ) لِلْمُرْتَهِنِ أَوْ وَكِيلِهِ أَوْ لِمَنْ اتَّفَقَا عَلَيْهِ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ}. وَلِأَنَّهُ عَقْدُ إرْفَاقٍ يَفْتَقِرُ إلَى الْقَبُولِ، فَافْتَقَرَ إلَى الْقَبْضِ؛ كَالْقَرْضِ (بِإِذْنِهِ)؛ أَيْ: الرَّاهِنِ؛ لِأَنَّهُ لَهُ قَبْلَ الْقَبْضِ؛ فَلَا يَمْلِكُ الْمُرْتَهِنُ إسْقَاطَ حَقِّهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ؛ كَالْمَوْهُوبِ، (وَلَوْ) كَانَ الْإِذْنُ (بِإِشَارَةٍ) مَفْهُومَةٍ مِنْ (أَخْرَسَ) وَمِنْ مُعْتَقَلٍ لِسَانُهُ. وَقَبْضُ رَهْنٍ (كَقَبْضِ مَبِيعٍ عَلَى مَا مَرَّ) تَفْصِيلُهُ (قُبَيْلَ الْإِقَالَةِ) فَلْيُرَاجَعْ. (وَلَوْ) كَانَ الْقَبْضُ (مِمَّنْ اتَّفَقَا)؛ أَيْ: الرَّاهِنُ وَالْمُرْتَهِنُ (عَلَيْهِ)؛ أَيْ: عَلَى أَنْ يَكُونَ عِنْدَهُ؛ لِأَنَّهُ وَكِيلٌ مُرْتَهِنٍ فِي ذَلِكَ، فَلَوْ اسْتَنَابَ الْمُرْتَهِنُ الرَّاهِنَ فِي الْقَبْضِ؛ وَلَمْ يَكُنْ الرَّهْنُ لَازِمًا؛ لِأَنَّ الْمُرْتَهِنَ لَمْ يَقْبِضْهُ هُوَ وَلَا وَكِيلُهُ (إلَّا عَبْدٌ رَاهِنٌ وَأُمُّ وَلَدِهِ؛ فَكَهُوَ)؛ أَيْ: فَكَالرَّاهِنِ، فَلَا تَصِحُّ اسْتِنَابَتُهُمَا فِي قَبْضِ الرَّهْنِ؛ لِأَنَّ يَدَ سَيِّدِهِمَا ثَابِتَةٌ عَلَيْهِمَا وَعَلَى مَا بِيَدِهِمَا، (لَكِنْ تَصِحُّ اسْتِنَابَةُ مُكَاتَبِهِ)؛ أَيْ: الرَّاهِنِ (وَعَبْدِهِ الْمَأْذُونِ لَهُ) فِي التِّجَارَةِ فِي قَبْضِ الرَّهْنِ؛ لِاسْتِقْلَالِهِمَا بِالتَّصَرُّفِ. (وَيُعْتَبَرُ فِيهِ)؛ أَيْ: الْقَبْضِ (إذْنُ وَلِيِّ أَمْرٍ)؛ أَيْ: حَاكِمٍ، (وَيَلْزَمُهُ)؛ أَيْ: الْحَاكِمَ فِعْلُ (الْأَحَظِّ لِمَنْ جُنَّ، أَوْ بُرْسِمَ، أَوْ حُجِرَ عَلَيْهِ لِسَفَهٍ) بَعْدَ عَقْدِ رَهْنٍ وَقَبْلَ إقْبَاضِهِ؛ لِأَنَّ وِلَايَتَهُ لِلْحَاكِمِ كَمَا يَأْتِي. وَهُوَ نَوْعُ تَصَرُّفٍ فِي الْمَالِ فَاحْتِيجَ إلَى نَظَرٍ فِي الْحَظِّ. فَإِنْ كَانَ الْحَظُّ فِي إقْبَاضِهِ، مِثْلُ أَنْ يَكُونَ شَرَطَاهُ فِي بَيْعٍ وَالْحَظُّ فِي إتْمَامِهِ أَقْبَضَهُ، وَإِنْ كَانَ الْحَظُّ فِي تَرْكِهِ؛ لَمْ يَجُزْ لَهُ تَقْبِيضُهُ، وَإِنَّمَا اُعْتُبِرَ الْإِذْنُ لِشَبَهِهِ بِالْهِبَةِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ لَا يَلْزَمُ إلَّا بِالْقَبْضِ، فَلَوْ تَعَدَّى الْمُرْتَهِنُ، وَقَبَّضَهُ بِلَا إذْنِ رَاهِنٍ أَوْ وَلِيِّهِ؛ لَمْ يَكُنْ قَبْضًا. وَإِنْ مَاتَ رَاهِنٌ قَبْلَ إقْبَاضِهِ قَامَ وَارِثُهُ مَقَامَهُ؛ فَإِنْ أَبَى لَمْ يُجْبَرْ؛ كَالْمَيِّتِ، وَإِنْ أَحَبَّ إقْبَاضَهُ، وَلَيْسَ عَلَى الْمَيِّتِ سِوَى هَذَا الدَّيْنِ؛ فَلَهُ ذَلِكَ. (وَيَبْطُلُ إذْنُ) رَاهِنٍ (بِذَلِكَ)؛ أَيْ: بِالْجُنُونِ وَالْبِرْسَامِ وَالْحَجْرِ عَلَيْهِ لِسَفَهٍ (وَبِخَرَسٍ)، وَلَيْسَ لَهُ كِتَابَةٌ وَلَا إشَارَةٌ مَفْهُومَةٌ، فَإِنْ كَانَتْ لَهُ كِتَابَةٌ أَوْ إشَارَةٌ مَفْهُومَةٌ؛ فَكَمُتَكَلِّمٍ، (وَ) يَبْطُلُ إذْنُ رَاهِنٍ (بِإِغْمَاءٍ) طَرَأَ عَلَى مُرْتَهِنٍ قَبْلَ إقْبَاضِهِ الرَّهْنَ، (وَتُنْتَظَرُ إفَاقَتُهُ) مِنْ إغْمَائِهِ؛ (لِأَنَّ الْمُغْمَى عَلَيْهِ) فِي مَظِنَّةِ الْإِفَاقَةِ، (فَلَا تَثْبُتُ الْوِلَايَةُ عَلَيْهِ) لِأَحَدٍ؛ لِقِصَرِ مُدَّةِ الْإِغْمَاءِ غَالِبًا. (وَلَيْسَ لِوَرَثَةِ رَاهِنٍ مَاتَ إقْبَاضُهُ)؛ أَيْ: الرَّهْنِ، (وَثَمَّ غَرِيمٌ) لِمَيِّتٍ (لَمْ يَأْذَنْ) فِيهِ نَصًّا؛ لِأَنَّهُ تَخْصِيصٌ لَهُ بِرَهْنٍ لَمْ يَلْزَمْ، وَسَوَاءٌ مَاتَ أَوْ جُنَّ وَنَحْوُهُ قَبْلَ الْإِذْنِ أَوْ بَعْدَهُ؛ لِبُطْلَانِ الْإِذْنِ بِهِمَا. (وَيَتَّجِهُ وَكَذَا) حُكْمُ (مَحْجُورٍ عَلَيْهِ لِفَلَسٍ)؛ أَيْ: إذَا عَقَدَ الرَّهْنَ، ثُمَّ حُجِرَ عَلَيْهِ قَبْلَ إقْبَاضِهِ الرَّهْنَ، فَلَيْسَ لَلْمُرْتَهِنِ قَبْضُ الرَّهْنِ إلَّا بِإِذْنِ حَاكِمٍ؛ لِتَعَلُّقِ حَقِّ الْغُرَمَاءِ بِهِ. وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَلِرَاهِنٍ الرُّجُوعُ) فِي رَهْنٍ؛ أَيْ: فَسْخُهُ (قَبْلَ قَبْضِ) مُرْتَهَنٍ- (وَلَوْ أَذِنَ) الرَّاهِنُ (فِيهِ)؛ أَيْ: الْقَبْضِ- لِعَدَمِ لُزُومِ الرَّهْنِ، (وَلَهُ أَنْ يَتَصَرَّفَ فِيهِ)؛ أَيْ الرَّهْنِ (بِمَا شَاءَ)، فَإِنْ تَصَرَّفَ فِيهِ بِمَا يَنْقُلُ الْمِلْكَ مِنْ هِبَةٍ أَوْ بَيْعٍ أَوْ عِتْقٍ، أَوْ جَعَلَهُ صَدَاقًا أَوْ عِوَضًا فِي خُلْعٍ أَوْ طَلَاقٍ أَوْ عِتْقٍ، أَوْ جَعَلَهُ أُجْرَةً أَوْ جُعْلًا فِي جِعَالَةٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا يَخْرُجُ بِهِ عَنْ مِلْكِهِ، أَوْ رَهَنَهُ ثَانِيًا، نَفَذَ تَصَرُّفُهُ؛ لِعَدَمِ لُزُومِ الرَّهْنِ، وَبَطَلَ الرَّهْنُ الْأَوَّلُ؛ لِأَنَّ هَذِهِ التَّصَرُّفَاتِ تَمْنَعُ الرَّهْنَ، فَانْفَسَخَ بِهَا، وَسَوَاءٌ قَبَضَ الرَّاهِنُ الْهِبَةَ أَوْ الْبَيْعَ أَوْ الرَّهْنَ الثَّانِي، أَوْ لَمْ يَقْبِضْهُ؛ لِمَا تَقَدَّمَ. (وَإِنْ رَهَنَهُ)؛ أَيْ: الْمُسْتَدِينُ (مَا)؛ أَيْ: عَيْنًا مَالِيَّةً (بِيَدِهِ)؛ أَيْ: بِيَدِ الْمُسْتَدِينِ أَمَانَةً أَوْ مَضْمُونَةً- (وَلَوْ) كَانَتْ (غَصْبًا)- صَحَّ الرَّهْنُ، (وَصَارَ أَمَانَةً)، وَزَالَ ضَمَانُهُ عَنْ الْمُرْتَهِنِ؛ لِانْتِقَالِهِ؛ إلَى الْأَمَانَةِ، (وَلَزِمَ بِمُجَرَّدِ) عَقْدِ (هـ)؛ كَهِبَةٍ- (وَلَوْ لَمْ يَمْضِ زَمَنٌ يُمْكِنُ قَبْضُهُ فِيهِ)- لِأَنَّ يَدَهُ ثَابِتَةٌ عَلَيْهِ وَاسْتِمْرَارَ الْقَبْضِ قَبْضٌ، وَإِنَّمَا تَغَيَّرَ الْحُكْمُ، وَيُمْكِنُ تَغَيُّرُهُ مَعَ اسْتِدَامَةِ الْقَبْضِ؛ كَوَدِيعَةٍ جَحَدَهَا مُودَعٌ، فَصَارَتْ مَضْمُونَةً، ثُمَّ أَقَرَّ بِهَا فَعَادَتْ أَمَانَةً بِإِبْقَاءِ رَبِّهَا لَهَا عِنْدَهُ. (وَاسْتِدَامَةُ قَبْضِ) رَهْنٍ مِنْ مُرْتَهِنٍ أَوْ مِمَّنْ اتَّفَقَا عَلَيْهِ (شَرْطٌ لِلُزُومِ) عَقْدِهِ؛ لِلْآيَةِ، وَلِأَنَّ الِاسْتِدَامَةَ إحْدَى حَالَتَيْ الرَّهْنِ؛ فَكَانَتْ شَرْطًا؛ كَابْتِدَاءِ الْقَبْضِ؛ (فَيُزِيلُهُ)؛ أَيْ: اللُّزُومَ (أَخْذُ رَاهِنٍ) رَهْنًا، (أَوْ) أَخْذُ (وَكِيلِهِ بِإِذْنِ مُرْتَهِنٍ) لَهُ فِي أَخْذِهِ، (وَلَوْ) أَخَذَهُ إجَارَةً أَوْ عَارِيَّةً أَوْ (نِيَابَةً لَهُ)؛ أَيْ: الْمُرْتَهِنِ (فِي حِفْظِهِ)؛ أَيْ: الرَّهْنِ؛ كَاسْتِيدَاعٍ؛ لِأَنَّ اسْتِدَامَةَ الْقَبْضِ شَرْطٌ لِلُّزُومِ- وَقَدْ زَالَتْ- فَيَنْتَفِي الْمَشْرُوطُ بِانْتِقَاءِ شَرْطِهِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ أُزِيلَتْ يَدُ الْمُرْتَهِنِ بِغَيْرِ حَقٍّ؛ كَمَا لَوْ غَصَبَ الرَّهْنَ أَوْ أَبَقَ أَوْ شَرَدَ أَوْ سَرَقَ؛ فَلُزُومُهُ بَاقٍ؛ لِأَنَّ يَدَهُ ثَابِتَةٌ حُكْمًا، فَكَأَنَّهَا لَمْ تَزُلْ.
(وَ) يُزِيلُ لُزُومَهُ (تَخَمُّرُ عَصِيرٍ بَعْدَ قَبْضِهِ)؛ لِمَنْعِهِ مِنْ صِحَّةِ الْعَقْدِ عَلَيْهِ، فَأَوْلَى أَنْ يُخْرِجَهُ عَنْ اللُّزُومِ، وَتَجِبُ إرَاقَتُهُ، فَإِنْ أُرِيقَ؛ بَطَلَ الرَّهْنُ، وَلَا خِيَارَ لِمُرْتَهِنٍ؛ لِحُصُولِ التَّلَفِ فِي يَدِهِ، (وَلَا يَبْطُلُ) عَقْدُ الرَّهْنِ بِأَخْذِ الرَّاهِنِ أَوْ وَكِيلِهِ الرَّهْنَ، (فَيَعُودُ رَهْنًا لَازِمًا بِرَدِّهِ)؛ أَيْ: بِرَدِّ مَنْ أَخَذَ الرَّهْنَ لَلْمُرْتَهِنِ (اخْتِيَارًا) بِحُكْمِ الْعَقْدِ السَّابِقِ؛ لِأَنَّهُ أَقْبَضَهُ بِاخْتِيَارِهِ، فَلَزِمَ؛ كَالْأَوَّلِ، وَلَا يَحْتَاجُ إلَى تَجْدِيدِ عَقْدٍ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ الْأَوَّلَ لَمْ يَطْرَأْ عَلَيْهِ مَا يُبْطِلُهُ؛ أَشْبَهَ مَا لَوْ تَرَاخَى الْقَبْضُ عَنْ الْعَقْدِ، وَيَعُودُ لُزُومٌ فِي عَصِيرٍ تَخَمَّرَ، وَلَمْ يُرَقْ، ثُمَّ (تَخَلَّلَ بِحُكْمِ الْعَقْدِ السَّابِقِ)؛ لِأَنَّهُ يَعُودُ مِلْكًا بِحُكْمِ الْأَوَّلِ فَيَعُودُ حُكْمُ الرَّهْنِ، وَإِنْ اسْتَحَالَ خَمْرًا قَبْلَ قَبْضِهِ؛ بَطَلَ رَهْنُهُ، وَلَمْ يَعُدْ بِعَوْدِهِ خَلًّا؛ لِأَنَّهُ عَقْدٌ ضَعِيفٌ؛ لِعَدَمِ الْقَبْضِ؛ أَشْبَهَ إسْلَامَ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ قَبْلَ الدُّخُولِ، وَإِنْ أُرِيقَ وَجُمِعَ، ثُمَّ تَخَلَّلَ؛ فَلِجَامِعِهِ (أَوْ كَاتِبِهِ، أَوْ زَوْجِ الْأَمَةِ) الْمَرْهُونَةِ، (أَوْ أَجَرَهُ)؛ أَيْ: الرَّهْنَ رَاهِنٌ، [أَوْ] (أَعَارَهُ رَاهِنٌ لِمُرْتَهِنٍ أَوْ لِغَيْرِهِ)؛ أَيْ: الْمُرْتَهِنِ (بِإِذْنِهِ)؛ أَيْ: الْمُرْتَهِنِ؛ (صَحَّ) تَصَرُّفُهُ؛ لِأَنَّ مَنْعَهُ مِنْ تَصَرُّفِهِ فِيهِ لِتَعَلُّقِ حَقِّ الْمُرْتَهِنِ بِهِ- وَقَدْ أَسْقَطَهُ بِإِذْنِهِ- (وَلُزُومُهُ)؛ أَيْ: الرَّهْنِ (بَاقٍ)؛ لِأَنَّهُ- تَصَرُّفٌ لَا يَمْنَعُ الْبَيْعَ؛ فَلَمْ يَفْسُدْ الْقَبْضُ، وَإِنْ فَعَلَ مَا ذُكِرَ مِنْ التَّدْبِيرِ وَمَا بَعْدَهُ (بِلَا إذْنِهِ)؛ أَيْ: الْمُرْتَهِنِ؛ (لَمْ يَصِحَّ)؛ لِأَنَّ تَصَرُّفَهُ يُبْطِلُ حَقَّ الْمُرْتَهِنِ مِنْ الْوَثِيقَةِ، وَلَيْسَ بِمَبْنِيٍّ عَلَى السِّرَايَةِ وَالتَّغْلِيبِ، فَلَمْ يَصِحَّ بِغَيْرِ إذْنِ الْمُرْتَهِنِ؛ كَفَسْخِ الرَّهْنِ. (وَإِنْ تَصَرَّفَ) الرَّاهِنُ (فِيهِ)؛ أَيْ: الرَّهْنِ (بِمَا يَنْقُلُ الْمِلْكَ؛ كَهِبَةٍ وَصَدَاقٍ بِإِذْنِ مُرْتَهِنٍ؛ صَحَّ) تَصَرُّفُهُ، (وَبَطَلَ الرَّهْنُ) لِأَنَّ هَذَا التَّصَرُّفَ يَمْنَعُ الرَّهْنَ ابْتِدَاءً، فَامْتَنَعَ مَعَهُ دَوَامًا (لَكِنْ إنْ بَاعَهُ)؛ أَيْ: بَاعَ رَاهِنٌ الرَّهْنَ (بِإِذْنِهِ)؛ أَيْ: الْمُرْتَهِنِ (وَالدَّيْنُ حَالٌّ)؛ صَحَّ الْبَيْعُ؛ لِلْإِذْنِ فِيهِ، أَوْ (أَخَذَ) الدَّيْنَ (مِنْ ثَمَنِهِ)؛ لِأَنَّهُ لَا دَلَالَةَ فِي الْإِذْنِ فِي الْبَيْعِ عَلَى الرِّضَى بِإِسْقَاطِ حَقِّهِ مِنْ الدَّيْنِ- وَلَا مُقْتَضَيْ لِتَأْخِيرِ وَفَائِهِ- فَوَجَبَ الدَّيْنُ مِنْ ثَمَنِهِ. (وَإِنْ كَانَ) الدَّيْنُ (مُؤَجَّلًا)، وَأَذِنَ الرَّاهِنُ فِي بَيْعِ الرَّهْنِ، (وَشَرَطَ) فِي الْإِذْنِ (رَهْنَ ثَمَنِهِ)؛ أَيْ: الرَّهْنِ (مَكَانَهُ) فَعَلَ، وَلَوْ اخْتَلَفَا فِي شَرْطٍ جُعِلَ ثَمَنُهُ رَهْنًا مَكَانَهُ؛ (فـَ) الْقَوْلُ (قَوْلُ رَاهِنٍ فِي نَفْيِهِ)؛ أَيْ: الِاشْتِرَاطِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُهُ؛ (فَعَلَ)- جَوَابُ قَوْلِهِ: وَإِنْ كَانَ الدَّيْنُ مُؤَجَّلًا- أَيْ: وَجَبَ الْوَفَاءُ بِالشَّرْطِ، فَإِذَا بِيعَ كَانَ ثَمَنُهُ رَهْنًا مَكَانَهُ؛ لِرِضَاهُمَا بِإِبْدَالِ الرَّهْنِ بِغَيْرِهِ، (وَإِلَّا) يُشْتَرَطْ كَوْنُ ثَمَنِهِ رَهْنًا مَكَانَهُ؛ (بَطَلَ) الرَّهْنُ؛ كَمَا لَوْ أَذِنَ لَهُ فِي هِبَتِهِ، وَإِنْ شَرَطَ تَعْجِيلَ مُؤَجَّلٍ مِنْ ثَمَنِهِ؛ صَحَّ الْبَيْعُ، (وَشَرْطُ تَعْجِيلِ الدَّيْنِ لَاغٍ)؛ لِأَنَّ التَّأْجِيلَ أَخَذَ قِسْطًا مِنْ الثَّمَنِ، فَإِذَا أَسْقَطَ بَعْضَ مُدَّةِ الْأَجَلِ فِي مُقَابَلَةِ الْإِذْنِ؛ فَقَدْ أَذِنَ بِعِوَضٍ، وَهُوَ الْمُقَابِلُ لِبَاقِي مُدَّةِ الْأَجَلِ، وَلَا يَجُوزُ أَخْذُ الْعِوَضِ عَنْهُ؛ فَيَلْغُو الشَّرْطُ، (وَيَكُونُ الثَّمَنُ رَهْنًا) مَكَانَهُ؛ لِأَنَّ الْمُرْتَهِنَ، لَمْ يَأْذَنْ بِالْبَيْعِ إلَّا طَامِعًا فِي وَفَاءِ دَيْنِهِ مِنْ ثَمَنِهِ، وَلَمْ يَسْقُطْ حَقُّهُ مِنْهُ، مُطْلَقًا، وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي إذْنِ الْمُرْتَهِنِ؛ فَقَوْلُ مُرْتَهِنٍ بِيَمِينِهِ؛ لِأَنَّهُ مُنْكِرٌ (وَلَهُ)؛ أَيْ: الْمُرْتَهِنِ (الرُّجُوعُ فِيمَا أَذِنَ فِيهِ) لِرَاهِنٍ مِنْ التَّصَرُّفَاتِ (قَبْلَ وُقُوعِهِ)؛ لِعَدَمِ لُزُومِهِ؛ كَعَزْلِ الْوَكِيلِ قَبْلَ فِعْلِهِ، فَإِنْ رَجَعَ بَعْدَ تَصَرُّفٍ؛ فَلَا أَثَرَ لَهُ، (فَلَا يَنْفُذُ تَصَرُّفُ رَاهِنٍ) أَذِنَ لَهُ مُرْتَهِنٌ، ثُمَّ رَجَعَ قَبْلَ التَّصَرُّفِ، (وَلَوْ لَمْ يَعْلَمْ) الرَّاهِنُ رُجُوعَ الْمُرْتَهِنِ عَنْ إذْنِهِ، (مَا لَمْ يَكُنِ الرَّاهِنُ وَكَّلَ) غَيْرَهُ بَعْدَ الْإِذْنِ (فِي التَّصَرُّفِ؛ فَلَا يَصِحُّ) حِينَئِذٍ (رُجُوعُ مُرْتَهِنٍ) عَنْ إذْنِهِ (بِحَالٍ)؛ لِأَنَّهُ تَعَلَّقَ بِهِ حَقٌّ ثَالِثٌ؛ فَلَمْ يَصِحَّ رُجُوعُهُ لِتَلَاعُبِهِ. (وَإِنْ) اتَّفَقَا عَلَى الْإِذْنِ، (وَاخْتَلَفَا فِي الرُّجُوعِ) هَلْ هُوَ (بَعْدَ التَّصَرُّفِ) أَوْ قَبْلَهُ؛ فَالْقَوْلُ (قَوْلُ رَاهِنٍ) بِيَمِينِهِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. (وَيَتَّجِهُ فَإِنْ صَدَّقَهُ)؛ أَيْ: صَدَّقَ الرَّاهِنُ الْمُرْتَهِنَ فِي كَوْنِ التَّصَرُّفِ بَعْدَ الرُّجُوعِ؛ (لَزِمَهُ)؛ أَيْ: الرَّاهِنَ (بَدَلُهُ)؛ أَيْ: الرَّهْنِ يَكُونُ (رَهْنًا) مَكَانَهُ، (وَلَمْ يَبْطُلْ تَصَرُّفٌ) مِنْ الرَّاهِنِ فِي الرَّهْنِ؛ لِتَعَلُّقِهِ بِحَقٍّ ثَالِثٍ لَمْ يُصَدِّقْهُمَا فِي حَالٍ مِنْ الْأَحْوَالِ، (إلَّا إنْ صَدَّقَهُ)؛ أَيْ: الْمُرْتَهِنَ (آخِذٌ) مِنْ نَحْوِ مُشْتَرٍ مَعَ تَصْدِيقِ الرَّاهِنِ، (وَ) إنْ صَدَّقَهُ (آخِذٌ فَقَطْ) بِدُونِ تَصْدِيقِ الرَّاهِنِ؛ (رَدَّهُ)؛ أَيْ: رَدَّ الرَّهْنَ الْآخِذُ (لِمُرْتَهِنٍ) وُجُوبًا فِي الصُّورَتَيْنِ؛ لِإِقْرَارِهِ بِعَدَمِ انْتِقَالِ الْمِلْكِ إلَيْهِ. (فَإِنْ بِيعَ) الرَّهْنُ (فِي دَيْنٍ) عَلَى الرَّاهِنِ، وَلَمْ يَرْجِعْ الْآخِذُ عَنْ التَّصْدِيقِ؛ (ذَهَبَ) الرَّاهِنُ (عَلَيْهِ)؛ أَيْ: الْآخِذِ؛ لِتَقْصِيرِهِ بِالتَّصْدِيقِ، (وَإِنْ وَفَّى) الدَّيْنَ (مِنْ غَيْرِهِ)؛ أَيْ: غَيْرِ الرَّهْنِ، وَبَقِيَ ثَمَنُهُ، (وَرَجَعَ الْآخِذُ عَنْ تَصْدِيقِهِ)؛ أَيْ: الْمُرْتَهِنِ؛ (أَخَذَهُ)؛ أَيْ: الرَّهْنَ، وَيَرُدُّ ثَمَنَهُ مَعَ اعْتِرَافِ الْمَدِينِ بِرُجُوعِهِ، (أَوْ صَدَّقَهُ)؛ أَيْ: الْمُرْتَهِنِ فِي الرُّجُوعِ (رَاهِنٌ) فَقَطْ- وَقَدْ قَبَضَ الثَّمَنَ- (فَلَهُ)؛ أَيْ: لِلرَّاهِنِ التَّصَرُّفُ بِهِ، (وَيَرُدُّ ثَمَنَهُ) لَلْمُرْتَهِنِ؛ لِيَكُونَ رَهْنًا بَدَلَهُ. وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَحَرُمَ فِي) مُدَّةِ (لُزُومِهِ)؛ أَيْ: الرَّهْنِ (تَصَرُّفُهُ)؛ أَيْ: الرَّاهِنِ فِيهِ بِمَا يَمْنَعُ ابْتِدَاءَ عَقْدِهِ؛ كَهِبَةٍ وَوَقْفٍ وَبَيْعٍ وَرَهْنٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ (بِلَا إذْنِ مُرْتَهِنٍ) لَهُ فِي ذَلِكَ؛ فَلَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ تَصَرُّفٌ يُبْطِلُ حَقَّ الْمُرْتَهِنِ مِنْ الْوَثِيقَةِ. (وَلَا يَنْفُذُ) مِنْ أَنْوَاعِ تَصَرُّفَاتِ الرَّاهِنِ بِلَا إذْنِ مُرْتَهِنٍ (غَيْرُ عِتْقٍ) مَعَ تَحْرِيمِهِ؛ لِأَنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى السِّرَايَةِ وَالتَّغْلِيبِ فَيَنْفُذُ عِتْقُهُ لَهُ وَلَوْ مُعْسِرًا، [وَيُؤْخَذُ قِيمَتُهُ وَقْتَ عِتْقِهِ تُجْعَلُ رَهْنًا مَكَانَهُ مَتَى أَيْسَرَ مُعْسِرٌ بِقِيمَتِهِ قَبْلَ حُلُولِ الدَّيْنِ أُخِذَتْ مِنْهُ، وَإِنْ أَيْسَرَ بَعْدَهُ طُولِبَ بِالدَّيْنِ فَقَطْ]، (فَإِنْ نَجَزَهُ)؛ أَيْ: الْعِتْقَ رَاهِنٌ بِلَا إذْنِ مُرْتَهِنٍ، وَكَذَا لَوْ عَلَّقَ عِتْقَهُ عَلَى صِفَةٍ، فَوُجِدَتْ قَبْلَ فَكِّهِ، (أَوْ أَقَرَّ) رَاهِنٌ (بِهِ)؛ أَيْ: بِعِتْقِهِ (قَبْلَ عَقْدِ) الرَّهْنِ، (فَكَذَّبَهُ مُرْتَهِنٌ، أَوْ أَحْبَلَ) رَاهِنٌ (الْأَمَةَ) الْمَرْهُونَةَ (بِلَا إذْنِهِ)؛ أَيْ: الْمُرْتَهِنِ (فِي وَطْءٍ) وَبِلَا اشْتِرَاطٍ فِي رَهْنٍ، (أَوْ ضَرَبَهُ)؛ أَيْ: الرَّهْنَ رَاهِنٌ (بِلَا إذْنِهِ)؛ أَيْ: الْمُرْتَهِنِ، (فَتَلِفَ) بِهِ رَهْنٌ، (وَيُصَدَّقُ) مُرْتَهِنٌ (بِيَمِينِهِ) فِي عَدَمِهِ، (وَ) يُصَدَّقُ (وَارِثُهُ) بِيَمِينِهِ (فِي عَدَمِهِ)؛ أَيْ: الْإِذْنِ إنْ اخْتَلَفَا فِي إذْنٍ؛ لِأَنَّهُ الْأَصْلُ، وَهَذِهِ جُمْلَةٌ مُعْتَرِضَةٌ بَيْنَ الشَّرْطِ وَجَوَابِهِ، وَهُوَ قَوْلُهُ: (فَعَلَى) رَاهِنٍ (مُوسِرٍ وَمُعْسِرٍ أَيْسَرَ قَبْلَ حُلُولِ الدَّيْنِ قِيمَتُهُ)؛ أَيْ: الرَّهْنِ الْفَائِتِ عَلَى مُرْتَهِنٍ بِشَيْءٍ مِمَّا سَبَقَ، وَإِنْ أَيْسَرَ بَعْدَهُ طُولِبَ بِالدَّيْنِ فَقَطْ (وَقْتَ عِتْقٍ وَتَلَفٍ تَكُونُ رَهْنًا) مَكَانَهُ؛ كَبَدَلِ أُضْحِيَّةٍ وَنَحْوِهَا (بِمُجَرَّدِ أَخْذِهَا) أَيْ: الْقِسْمَةِ؛ لِإِبْطَالِهِ حَقِّ الْمُرْتَهِنِ مِنْ الْوَثِيقَةِ بِغَيْرِ إذْنِهِ، فَلَزِمَتْهُ قِيمَتُهُ؛ كَمَا لَوْ أَبْطَلَهَا أَجْنَبِيٌّ، وَتُعْتَبَرُ قِيمَتُهُ حَالَ إعَاقَتِهِ أَوْ إقْرَارٍ بِهِ، أَوْ إحْبَالٍ أَوْ ضَرْبٍ، وَكَذَا لَوْ جَرَحَهُ فَمَاتَ؛ اُعْتُبِرَتْ قِيمَتُهُ حَالَ جَرْحٍ، وَإِنْ كَانَ الدَّيْنُ حَالًّا أَوْ حَلَّ؛ طُولِبَ بِهِ خَاصَّةً؛ لِبَرَاءَةِ ذِمَّتِهِ بِهِ مِنْ الْحَقَّيْنِ، فَإِنْ كَانَ مَا سَبَقَ بِإِذْنِ مُرْتَهِنٍ؛ بَطَلَ الرَّهْنُ، وَلَا عِوَضَ لَهُ حَتَّى فِي الْإِذْنِ فِي الْوَطْءِ؛ لِأَنَّهُ يُفْضِي إلَى الْإِحْبَالِ، وَلَا يَقِفُ عَلَى اخْتِيَارِهِ، فَإِذْنُهُ فِي سَبَبِهِ إذْنٌ فِيهِ، (وَإِنْ) وَطِئَ رَاهِنٌ مَرْهُونَةً بِغَيْرِ إذْنِ مُرْتَهِنٍ، (وَلَمْ تَحْبَلْ؛ فَعَلَيْهِ أَرْشُ بِكْرٍ) فَقَطْ يُجْعَلُ رَهْنًا مَعَهَا؛ (كَجِنَايَةٍ) عَلَيْهَا، (وَإِنْ ادَّعَى رَاهِنٌ) بَعْدَ وِلَادَةِ مَرْهُونَةٍ: (أَنْ الْوَلَدَ مِنْهُ، وَأَمْكَنَ) كَوْنُهُ مِنْهُ؛ بِأَنْ وَلَدَتْهُ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ فَأَكْثَرَ مُنْذُ وَطِئَهَا، (وَأَقَرَّ مُرْتَهِنٌ؛ بِإِذْنِهِ) لِرَاهِنٍ بِوَطْئِهَا، وَأَقَرَّ مُرْتَهِنٌ (بِوَطْئِهِ)؛ أَيْ: الرَّاهِنِ لَهَا، (وَ) أَقَرَّ (بِأَنَّهَا)؛ أَيْ: الْمَرْهُونَةَ (وَلَدَتْهُ؛ قَبْلَ) قَوْلِ رَاهِنٍ بِلَا يَمِينٍ؛ لِأَنَّهُ مُلْحَقٌ بِهِ شَرْعًا؛ لَا بِدَعْوَاهُ، (وَخَرَجَتْ مِنْ الرَّهْنِ)؛ لِأَنَّهَا صَارَتْ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ؛ لِأَنَّهُ أَحْبَلَهَا بِحُرٍّ فِي مِلْكِهِ، وَأَخَذَتْ مِنْهُ قِيمَتَهَا حِينَ أَحْبَلَهَا، فَجَعَلَتْ رَهْنًا مَكَانَهَا؛ كَمَا لَوْ أَتْلَفَهَا بِغَيْرِ ذَلِكَ، وَإِنْ تَلِفَتْ بِسَبَبِ الْحَمْلِ؛ فَعَلَيْهِ قِيمَتُهَا كَذَلِكَ؛ لِأَنَّهَا تَلِفَتْ بِسَبَبٍ كَانَ مِنْهُ، (وَإِلَّا)؛ يُمْكِنْ كَوْنُ الْوَلَدِ مِنْ رَاهِنٍ؛ بِأَنْ وَلَدَتْهُ لِدُونِ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ وَطْئِهِ، وَعَاشَ، وَأَنْكَرَ مُرْتَهِنٌ الْإِذْنَ، أَوْ قَالَ: أَذِنَتْ، وَلَمْ يَطَأْ، أَوْ أَذِنَتْ، وَوَطِئَ، لَكِنَّهُ لَيْسَ وَلَدَهَا، بَلْ اسْتَعَارَتْهُ؛ (فَلَا) يُقْبَلُ قَوْلُ رَاهِنٍ فِي بُطْلَانِ رَهْنِ الْأَمَةِ وَعَدَمِ لُزُومِهِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ مَا ادَّعَاهُ، وَبَقَاءُ التَّوْثِقَةِ حَتَّى تَقُومَ الْبَيِّنَةُ بِخِلَافِهِ. (وَيَتَّجِهُ) أَنَّهُ لَا يُقْبَلُ قَوْلُ رَاهِنٍ (مَا لَمْ يُوفِ الدَّيْنَ)، فَإِنْ وَفَّاهُ، فَإِنَّهُ (يُقْبَلُ) قَوْلُهُ؛ لِأَنَّهُ أَقَرَّ (عَلَى نَفْسِهِ) بِاسْتِيلَادِهَا مِنْهُ فِي مِلْكِهِ، وَتَصِيرُ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ؛ إذَا لَمْ تُكَذِّبْهُ وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (فَلَوْ أَقَرَّ رَاهِنٌ بَعْدَ لُزُومِهِ)؛ أَيْ: الرَّهْنِ بِالْإِقْبَاضِ- (بِوَطْءِ) أَمَةِ (رَهْنٍ قَبْلَهُ)؛ أَيْ: اللُّزُومِ، (أَوْ) قَالَ رَاهِنٌ: (إنَّهُ)؛ أَيْ: الرَّاهِنَ (جَنَى، أَوْ) أَقَرَّ أَنَّهُ (غَصَبَهُ؛ قَبْلَ) إقْرَارِهِ (عَلَى نَفْسِهِ)؛ لِأَنَّهُ لَا عُذْرَ لِمَنْ أَقَرَّ، وَ(لَا) يُقْبَلُ إقْرَارُهُ (عَلَى مُرْتَهِنٍ أَنْكَرَهُ)؛ لِأَنَّهُ يَدَّعِي صِحَّةَ الرَّهْنِ؛ وَالْأَصْلُ فِي الْعُقُودِ الصِّحَّةُ، (فَإِنْ نَكَلَ) الرَّاهِنُ عَنْ إقْرَارِهِ بِالْوَطْءِ أَوْ الْجِنَايَةِ أَوْ الْغَصْبِ؛ (قُضِيَ عَلَيْهِ) بِالنُّكُولِ. (وَلِرَاهِنٍ غَرْسٌ مَا)؛ أَيْ: أَرْضٍ مَرْهُونَةٍ (عَلَى) دَيْنٍ (مُؤَجَّلٍ)؛ لِأَنَّ تَعْطِيلَ مَنْفَعَتِهَا إلَى حُلُولِ الدَّيْنِ تَضْيِيعٌ لِلْمَالِ، وَقَدْ نُهِيَ عَنْهُ، بِخِلَافِ الْحَالِّ؛ لِأَنَّهُ يُجْبَرُ عَلَى فَكِّ الرَّهْنِ بِالْوَفَاءِ أَوْ بَيْعِهِ، فَلَا يُعَطَّلُ نَفْعُهَا، وَيَكُونُ الْغَرْسُ مَعَهَا؛ لِأَنَّهُ مِنْ نَمَائِهَا، سَوَاءٌ نَبَتَ بِنَفْسِهِ أَوْ بِفِعْلِ الرَّاهِنِ؛ كَمَا فِي الْكَافِي، (وَكَذَا) لِرَاهِنٍ (انْتِفَاعٌ) بِرَهْنٍ (بِإِذْنِ مُرْتَهِنٍ مِنْ اسْتِخْدَامٍ وَسُكْنَى وَرُكُوبٍ) وَنَحْوِ ذَلِكَ. (وَيَتَّجِهُ وَ) كَذَا لَهُ انْتِفَاعٌ بِأَرْضٍ مَرْهُونَةٍ (بِزَرْعٍ)؛ لِأَنَّ مُدَّتَهُ لَا تَطُولُ (وَ) يَتَّجِهُ (أَنَّهُ)؛ أَيْ: الرَّاهِنَ لَوْ زَرَعَهَا (بِدُونِهِ)؛ أَيْ: بِدُونِ إذْنِ الْمُرْتَهِنِ؛ (يَلْزَمُهُ)؛ أَيْ: الرَّاهِنَ (الْأُجْرَةُ)؛ أَيْ: أُجْرَةُ مِثْلِ الْأَرْضِ الْمَرْهُونَةِ تَكُونُ (رَهْنًا) مَعَهَا تَغْلِيظًا عَلَيْهِ. وَهُوَ مُتَّجِهٌ.
(وَ) لِلرَّاهِنِ (وَطْءُ) أَمَةٍ مَرْهُونَةٍ (بِشَرْطِ) وَطْئِهَا (أَوْ إذْنِ) مُرْتَهِنٍ فِيهِ؛ لِأَنَّ الْمَنْعَ لَحِقَهُ، وَقَدْ أَسْقَطَهُ بِإِذْنِهِ فِيهِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ إذْنٌ وَلَا شَرْطٌ؛ حَرُمَ ذَلِكَ؛ فَإِنْ فَعَلَ؛ فَلَا حَدَّ عَلَيْهِ، وَلَا مَهْرَ؛ لِأَنَّهَا مِلْكُهُ. (وَلَا يُمْنَعُ) الرَّاهِنُ (مِنْ إصْلَاحِ الرَّهْنِ وَدَفْعِ الْفَسَادِ عَنْهُ، فَلَهُ سَقْيُ شَجَرٍ، وَتَلْقِيحُ) نَخْلٍ، (وَإِنْزَاءُ فَحْلٍ عَلَى مَرْهُونَةٍ، وَمُدَاوَاةٌ، وَفَصْدٌ، وَتَعْلِيمُ صِنَاعَةٍ، وَ) تَعْلِيمُ (دَابَّةٍ السَّيْرَ)؛ لِأَنَّهُ مَصْلَحَةٌ لِلرَّهْنِ، وَزِيَادَةٌ فِي حَقِّ الْمُرْتَهِنِ بِلَا ضَرَرٍ عَلَيْهِ، فَلَا يَمْلِكُ مَنْعَهُ مِنْهُ، (وَالرَّهْنُ) مَعَ ذَلِكَ (بِحَالِهِ)؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَطْرَأْ عَلَيْهِ مُفْسِدٌ، وَلَا مُزِيلٌ لِلُزُومِهِ، وَ(لَا) يَجُوزُ لِرَاهِنٍ (خِتَانُ) قِنٍّ مَرْهُونٍ (غَيْرَ مَا عَلَى) دَيْنٍ (مُؤَجَّلٍ يَبْرَأُ) جُرْحُهُ (قَبْلَ) مَجِيءِ (أَجَلِهِ)؛ أَيْ: الدَّيْنِ؛ لِأَنَّهُ يَزِيدُ بِهِ ثَمَنُهُ، لَكِنْ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ الزَّمَانُ مُعْتَدِلًا لَا يُخَافُ عَلَى الْمَخْتُونِ فِيهِ، (وَلَا) يَجُوزُ لِرَاهِنٍ (قَطْعُ سِلْعَةٍ خَطِرَةٍ) مِنْ مَرْهُونٍ؛ لِأَنَّهُ يَخْشَى عَلَيْهِ مِنْ قَطْعِهَا، بِخِلَافِ أَكْلَةٍ، فَإِنَّهُ يُخَافُ عَلَيْهِ مِنْ تَرْكِهَا، فَإِنْ لَمْ تَكُنِ السِّلْعَةُ خَطِرَةً؛ فَلَهُ قَطْعُهَا (أَوْ) قَطْعُ (أُصْبُعٍ زَائِدَةٍ) وَبَاسُورٍ؛ لِمَا فِي قَطْعِ ذَلِكَ مِنْ الْخَطَرِ. (أَوْ)؛ أَيْ: وَلَيْسَ لِلرَّاهِنِ (إنْزَاءُ فَحْلٍ) مَرْهُونٍ (لَا يَتَضَرَّرُ) الْفَحْلُ (بِتَرْكِهِ)؛ أَيْ: الْإِنْزَاءِ، فَإِنْ تَضَرَّرَ بِتَرْكِهِ؛ جَازَ؛ لِأَنَّهُ كَالْمُدَاوَاةِ. (وَنَمَاءُ الرَّهْنِ) الْمُتَّصِلِ؛ كَسِمَنٍ وَتَعَلُّمِ صَنْعَةٍ، وَالْمُنْفَصِلِ (وَلَوْ صُوفًا وَلَبَنًا) وَوَرَقَ شَجَرٍ مَقْصُودٍ؛ رَهْنٌ، (وَكَسْبُهُ)؛ أَيْ: الرَّهْنِ؛ رَهْنٌ، (وَمَهْرُهُ) إنْ كَانَ أَمَةً حَيْثُ وَجَبَ؛ رَهْنٌ؛ لِأَنَّهُ تَابِعٌ لَهُ، (وَأَرْشُ جِنَايَةٍ عَلَيْهِ)؛ أَيْ: الرَّهْنِ؛ رَهْنٌ، (وَغَلَّتُهُ وَمَا قُطِعَ مِنْ شَجَرٍ) مَرْهُونٍ (وَأَنْقَاضِ بِنَاءِ) دَارٍ مَرْهُونَةٍ؛ (رَهْنٌ)؛ لِأَنَّ أَرْشَ الْجِنَايَةِ بَدَلُ جِزْيَةٍ، فَكَانَ مِنْهُ؛ كَقِيمَتِهِ لَوْ أُتْلِفَ، (وَإِنْ أَسْقَطَ مُرْتَهِنٌ) عَنْ جَانٍ (أَرْشًا)؛ لَزِمَهُ، (أَوْ أَبْرَأَهُ مِنْهُ؛ سَقَطَ حَقُّهُ)؛ أَيْ: الْمُرْتَهِنِ (مِنْهُ)؛ أَيْ: مِنْ الْأَرْشِ بِمَعْنَى أَنَّهُ لَا يَكُونُ رَهْنًا مَعَ أَصْلِهِ (دُونَ حَقِّ رَاهِنٍ)، فَلَا يَسْقُطُ؛ لِأَنَّهُ مِلْكُهُ، وَلَيْسَ لِمُرْتَهِنٍ تَصَرُّفٌ عَلَيْهِ؛ (كَعَكْسِهِ)؛ أَيْ: كَمَا لَوْ أَسْقَطَ الرَّاهِنُ أَرْشًا، أَوْ أَبْرَأَ مِنْهُ؛ سَقَطَ حَقُّهُ فَقَطْ، وَكَانَ لَلْمُرْتَهِنِ الطَّلَبُ بِهِ، وَجَعْلُهُ رَهْنًا مَعَهُ. (وَمُؤْنَتُهُ)؛ أَيْ: الرَّهْنِ مِنْ طَعَامِهِ وَشَرَابِهِ وَكِسْوَتِهِ وَمَسْكَنِهِ وَحَافِظِهِ (وَأُجْرَةُ مَخْزَنِهِ)، إنْ احْتَاجَ لِخَزْنٍ، (وَمُدَاوَاتُهُ) إنْ مَرِضَ، (وَنَحْوَ جُذَاذِهِ)؛ كَقَطْعِ أَغْصَانِهِ الرَّدِيئَةِ، (وَ) أُجْرَةِ (تَصْفِيَتِهِ) وَتَلْقِيحِهِ (وَرَدِّهِ مِنْ إبَاقِهِ) وَخِتَانِهِ (عَلَى مَالِكِهِ)؛ لِحَدِيثِ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا: «لَا يَغْلَقُ الرَّهْنُ مِنْ صَاحِبِهِ الَّذِي رَهَنَهُ، لَهُ غُنْمُهُ وَعَلَيْهِ غُرْمُهُ» رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ وَالدَّارَقُطْنِيّ، وَقَالَ: إسْنَادُهُ حَسَنٌ مُتَّصِلٌ.
قَالَ فِي الْقَامُوسِ: غَلِقَ الرَّهْنُ- كَفَرِحَ- اسْتَحَقَّهُ الْمُرْتَهِنُ، وَذَلِكَ إذَا لَمْ يُفْتَكَكْ فِي الْوَقْتِ الْمَشْرُوطِ. انْتَهَى.
(كَكَفَنِهِ وَمُؤْنَةِ تَجْهِيزِهِ)، وَمِثْلُهُ إخْرَاجُ الْبَهِيمَةِ إذَا مَاتَتْ، (فَإِنْ تَعَذَّرَ) إنْفَاقٌ عَلَيْهِ، أَوْ أُجْرَةُ مَخْزَنِهِ، أَوْ رَدُّهُ مِنْ إبَاقِهِ، وَنَحْوُ ذَلِكَ مِنْ مَالِكِهِ؛ لِعُسْرَتِهِ أَوْ غَيْبَتِهِ وَنَحْوِهَا؛ (بِيعَ) مِنْ مُرْتَهِنٍ (بِقَدْرِ حَاجَةٍ) إلَى ذَلِكَ، (أَوْ بِيعَ) كُلُّهُ، (إنْ خِيفَ اسْتِغْرَاقُهُ) لِثَمَنِهِ؛ لِأَنَّهُ مَصْلَحَةٌ لَهُمَا. (وَلِرَاهِنٍ السَّفَرُ بِمَاشِيَةٍ) مَرْهُونَةٍ (لِيَرْعَاهَا إنْ أَجْدَبَ مَحَلُّ مُرْتَهِنٍ)، وَالرَّهْنُ بَاقٍ عَلَى لُزُومِهِ؛ لِعَدَمِ زَوَالِ يَدِ الْمُرْتَهِنِ عَنْهُ حُكْمًا.